أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الثلاثاء، 6 يناير 2009

الجزء(1) بين لندن وبريزبن

نُشر هذه اليوميات في جريدة عمان، ملحق(اليوم السادس)2007
حملتني الدراسة قبل اكثر من سنتين إلى هذه المدينة الاسترالية الجميلة، تلك المدينة القابعة في أقصى الجانب الشرقي من القارة الاسترالية. لم يكن حبي لبريزبن حباً من اول نظرة، بل أصابتني المدينة في أول أيامها بالاحباط والدهشة. ولطالما تخيلتها كمحبوبتي لندن أو الجميلة اسكوتلندا وقد هالني ألا تطابق لندن في تراثها وغرائبها ومتاحفها الكثيرة، كما سائني ان وجدتها دون المدن الاسكتلندية من ناحية الطُرزالمعمارية العريقة وجمال الطبيعة الآسر. كانت الصورة التي رسمتها لبريزبن قبل السفر إليها قد تلاشت وحلت محلها صورة مشوشة وغير واضحة المعالم. وبتسارع الأيام اكتشفت لهذه المدينة الهادئة طباعاً حسنة ما خبرتها في لندن المتوحشة لجفاء سكانها وبرودة طباع قاطنيها. فمن عنصرية لندن ورتابة شتائها إلى بريزبن المنفتحة على الحضارات والثقافات المختلفة، وبمناخها المعتدل والمتقلب أحياناً، والذي لا يمل من الاستلقاء في احضان الشمس المشرقة.

لندن مليئة بالروبوتات الآلية الأقرب إلى البشر، بأحاسيسهم الباردة وقدرتهم على الاساءة إلى الغير، لندن مليئة بالبشر الذين لا يخطئون، وينقضون بشراسة على من يخطأ لعفويته وطيبته. وبريزبن مليئة بالبشر امثالنا، الذين يخطئون فيشعرونك انك على ما يرام لأنك في النهاية إنسان وليس إنسان آلي مثالي.
لم تكن بريزبن خالية من الجمال، فالمدينة يقطعها نهرٌ أفعواني الشكل يجري كالشريان المتدفق فيها، فيبعث الأمل والحياة والروح في أرجائها. وفي أماكن متفرقة من النهرتتناثر حدائق بريزبن التي ما ان تزرها حتى تحسب نفسك في حديقة بيتك الخاصة! فالحدائق تمتاز بنظافتها وتنظيمها، كما تتوفر بها أجهزة شوي حديثة، بعضها مجاني وبعضها مقابل أسعار رمزية. وما يثير الدهشة ان هذه الاجهزة لا تتعرض للتلف، ويحرص مستخدموها على تنظيفها قبل وبعد استخدامهم لها.

أما عن المناطق المخصصة للأطفال فهي أفضل من تلك التي تتواجد بالمدارس الخاصة في بلادنا، حيث تبطن أرضيات اماكن اللعب بمواد تقلل من الاصابة في حالة وقوع الطفل، كما تتميز بنظافتها وتوفر اسس السلامة فيها. ويقوم مصممون مختصون بتصميم الألعاب فيها لترفع من مستوى اللياقة البدنية للاطفال كما توفر المتعة والترفيه معاً. السلامة عامل مهم في كل ما يتعلق ببريزبن، والحدائق جزء من ذلك فلا توجد أشواك او احجار أو بقايا زجاجات موزعة في الحديقة. توفر حدائق بريزبن مساحات خاصة لهواة الدراجات، ومن الشائع رؤية العوائل وقد اصطحبوا معهم دراجات أطفالهم للعب في الحديقة، ويحرص العديد منهم على انتهاز هذه المميزات والحفاظ عليها، وكثيرا ما تراهم يقيمون حفلاتهم العائلية الصغيرة تحت ظلال أشجارها الباسقة. اما ضواحي بريزبن فتحملك إلى غاباتها البكر وشلالاتها الصغيرة الراقدة بسرية في متاهاتها الكثيرة، كما تحملك إلى جبالها وهضابها الباردة وبلداتها التي تقدم نكهة المدينة في ثوب ريفي زاهي، فتجد مقاهيها المحلية تقدم أطايب الكعك والمشروبات الساخنة في أماكن مغلفة بهدوء الريف ودفئه الخلاب.

وتعتبر مدينة بريزبن نموذجاً للمدينة التي تنفتح على جميع الثقافات حيث تضم أعراقا متنوعة وأقليات متعددة، أدت بالحكومة إلى الترويج لسياسة التعايش السلمي وخلق برامج تناسب التعدد الحضاري الذي تزخر به المدينة، بل ووضع خطط مستقبلية بعيدة المدى تعلم الأجيال الناشئة احترام الثقافات والديانات الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق