أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الأربعاء، 5 سبتمبر 2018

إصدارات أخرى





أدب الطفل









أطفال السماء ورحلة البحث عن حذاء للمخرج الايراني مجيد مجيدي




نُشر في جريدة الزمن

    
مقدمة
ما يميز الأفلام الايرانية هو بساطتها وأصالة أفكارها. فهي سينما لا تعتمد مطلقا على عناصر الابهار البصري الذي يجعلك تقف مندهشاً أمام التقنيات المادية الفائقة كتلك التي توظفها السينما الهوليودية الرائجة ، والتي تشعرك رغم ذلك بسطحية معالجتها وهشاشة أفكارها . الإبهار في الأفلام الايرانية يعتمد على توظيف عنصر البساطة وتحويله الى بحث عميق في المفاهيم الأساسية حولك ، إلا أن كمية التكثيف في هذه البساطة المتقنة ليست بتلك البساطة إطلاقا. في هذا الفيلم بالذات يتركك المخرج تتمنى لو كانت لديك القدرة على التدخل في أحداث الفيلم ومساعدة بطله الصغير، خاصةً مع عفوية المكان وتلقائية الحوار وصدق الأداء الذي يصل الى الُمشاهد دون أن يتعمد مخرجه أن يصلك بتلك الطريقة المباشرة الكاشفة لفكرة الفيلم.

ورغم أن الترجمة الحرفية لاسم الفيلم باللغة الفارسية (بجه هاي آسمان) يعني حرفيا أطفال السماء، الا أن الترجمة الرسمية له باللغة الانجليزية الى Children of Heaven قد أدت الى وجود اختلاف طفيف في الترجمة العربية ما بين المعنى الرمزي ( أطفال السماء) وما بين المعنى المتعارف ( أطفال الجنة) إلا أنه لا يمكننا إلا أن نتفق أن الطفلين علي وزهراء بطلي الفيلم بأدائهما العذب يصوران أطفال الجنة.

علي وزهراء
 تحملك القصة الى حياة طفلين أخٌ كبير وأختٌ أصغر من عائلة فقيرة تسكن في غرفة مؤجرة الى جوار عائلات أخرى تسكن ايضا في غرف مفردة. أول سؤال تبادر الى ذهني هو : كم حذاءً يملكه طفلي ؟ هذا ما سيشغلك قليلا والطفل علي يأخذ حذاء اخته الى الإسكافي ليرقعه ، ثم  تتساءل لوهلة لماذا هذا التعلق بالحذاء الذي يفقده علي سريعا حين يلتقطه جامع القمامة بطريق الخطأ ؟ نعم إنها مشكلة حقيقية فزهراء اخت علي الصغيرة لن تتمكن من الذهاب للمدرسة يوم غد من غير حذائها الوحيد الذي لا تملك سواه !

فقط النظر إلى عيني هذا الطفل البارع المغروقتين بالدموع يجعلك تشعر بالحزن والخوف الذي يشعر به، فلا يمكنه أن يخبر والدته المريضة التي تسهر مع الأخ الرضيع ولا تنام الا قليلا بسبب أعمال المنزل في النهار، ولا يمكنه أن يخبر أباه المعدم الذي يشتري حاجة البيت بالدّين، فشراء حذاء آخر في هذه الحالة هو كشراء قطعة  ثمينة من الذهب . ولكن ألا يمكن لتفكير الاطفال البريء أن يُوجد أكثر الحلول براءةً واحساساً مرهفا؟ يقرر علي أن يعير أخته حذائه حين تذهب لمدرستها في الصباح، على أن تعود بسرعة ليرتدي الحذاء ويغادر الى مدرسته التي تبدأ مع انتهاء وقت مدرستها. ولكن علي طالب مجدّ ويحوز دوما درجات مرتفعة وتأخره بسبب الحذاء يعرضه لغضب المدير، وهنا لا يمكن لعلي أن يبوح بسر تأخره . ورغم الفقر الذي تعانيه العائلة المكافحة ، إلا أن الأب ينبه زهراء بعدم استخدام السكر الخاص بالمسجد المجاور عندما تصنع له الشاي، فمهمة الوالد هي فصل قطع السكر واعادته لاستخدامه لضيوف المسجد وبذلك فلابد من المحافظة على الأمانة كما يقول الوالد. ورغم التعب الذي تعانيه والدة الطفلين الا أنها لا تنسى أن ترسل بعض الحساء الذي صنعته الى السيدة العجوز جارتها في الغرفة المجاورة.

البحث عن الحذاء
تبدأ رحلة بحث الطفلين عن الحذاء الضائع حين تكتشف زهراء أن طفلة أخرى في المدرسة ترتدي حذائها، توشك زهراء على تأنيب الطفلة الأخرى ، لكن حين تعيد اليها الطفلة قلمها الثمين الذي فقدته في اليوم السابق تشعر زهراء بالسعادة لأن القلم كان هدية من علي ، الذي بدوره حصل عليه كهدية من مُدرسه لتفوقه الدراسي ، وهنا تصبح الطفلتان صديقتان. هل يمكن أن تمر كل هذه المواقف دون شجار بين علي وزهراء أو بين زهراء والطفلة الأخرى؟ هنا تكمن أحد جماليات الفيلم ، النظرات كلها بين الأطفال تخبرك عن الحزن والتأنيب واللوم ولكن بدون شجار مطلقا بين الأطفال !

يكتشف الطفلان لاحقا أن والدة الطفلة الأخرى قد قايضت الحذاء بشيء آخر من جامع الخردوات ، وأن الفتاة الصغيرة تخرج مع أباها البائع الفقير المتجول لمساعدته في عمله. يبدو أن شراء حذاء آخر لأي طفل هنا بحاجة الى عمل جاد ومستمر من قبل الوالدين !
 من المشاهد المؤثرة في فيلم ( أطفال السماء) حين تسقط أحد فردتي حذاء علي الذي ترتديه زهراء في مجرى ماء وتحاول زهراء اصطياد الحذاء وهي على وشك البكاء من خسارة فقده ، وحينها يساعدها أحد المارة و ينجح بالتقاط الحذاء من مجرى الماء. ويذهب علي مرتديا الحذاء المبلل الي المدرسة ليؤنبه المدير على ارتداء الحذاء من غير جوارب ! ولا يمكنك إلا أن تتعاطف مع تلك النظرة المنكسرة في عيني علي أمام تأنيب المدير.

المركز الثالث
وتتواصل يوميات علي وزهراء دون علم الوالدين المنهكين بما يحدث في رحلة المبادلة اليومية للحذاء الوحيد، وحين يشاهد علي اعلانا في المدرسة عن مسابقة للجري بين طلاب المدارس، يحصل فيها الفائز الثالث على حذاء رياضي جديد يصمم على المشاركة بحذائه المهترئ. ولكن ماذا لو لم يحصل على المركز الثالث ؟ ماذا لو كان الولد المجدّ المرهف الحس والبالغ البراءة والصدق يملك أكثر مما يتوقع ؟ فرغم محاولاته في التأخر في السباق حتى يتجاوزه الآخرون، إلا أنه ينجح في إحراز المركز الأول ! وحين يلتقط المصور صورة تذكارية لعلي مع مدرب الرياضة في المدرسة يبدو علي في قمة حزنه مع احساسه بخذلانه لأخته الصغيرة التي وعدها بإحراز المركز الثالث ، يبدو علي وكأنه خسر السباق بأكمله. يعود الفائز الأول محبطا الى المنزل بفوزه الذي أحرزه ، يتصافى الأخوين عند بركة الماء الصغيرة في وسط المنزل ، ابتسامة زهرة الصغيرة حين ترى - ما أصبح في الآونة الأخيرة حذائهما- وقد تمزق بالكامل .. يبدو أنهما ينسيان لوهلة رحلة بحثهما عن حذاء حين يضع علي رجليه المتعبتان في الماء ، في الوقت الذي يكون والدهما في السوق قد اشترى حذاءً جديدا لكليهما.

المخرج مجيد مجيدي
ولد المخرج الايراني مجيد مجيدي في طهران عام ١٩٥٩ وهو من المخرجين الايرانيين المتميزين حيث رشح فيلم ( أطفال السماء) لجائزة الاوسكار كأفضل فيلم بلغة أجنبية في عام ١٩٩٨ ولكنه خسره لصالح الفيلم الايطالي ( الحياة حلوة) للمخرج روبرتو بينيني. من الأفلام الجميلة لمجيد مجيدي فيلم (باران) ١٩٩٢، وفيلم (صبغة الله) ٢٠٠٠، ويعمل المخرج حاليا على ثلاثية تحكي قصة حياة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو المشروع الذي بدأ مجيدي العمل عليه منذ سبع سنوات ، وتم تصويره في عدة دول عربية واسلامية.

الفصول الثلاثة بائعة اللوتس وبقايا الحرب والطفولة المشردة في فيتنام



 نُشر في جريدة الزمن

فصول وشخصيات
ثلاثة فصول  Three seasonsوأربع شخصيات : بائعة لوتس وصبي يعمل كبائع متجول وسائق دراجة لتوصيل الركاب وفتاة ليل  في قصة شاعرية تجمع بين الحب وبقايا الحرب والطفولة المشردة ، والعنصر المشترك بين تقاسيم هذه الشخصيات هو الفقر الذي يحول حياة البسطاء الى حياةٍ أشبه بمسخٍ بشري يحتفظ في قلبه ببقايا انسانيته. يروي هذا الفيلم الذي أخرجه الفيتنامي المولد الأمريكي الجنسية توني بوي Toni Bui قصة شخصيات بسيطة تتقاطع قصصهم مع قصة جندي أمريكي يبحث عن ابنته التي أنجبها حين كان جنديا سابقا في فيتنام، وعبر الإطار الزمني الذي يمثل ثلاث فصول من السنة تتراوح بين الصيف الحار إلى تساقط الأمطار إلى الربيع تتغير حياة شخصيات الفيلم .

ويبدو أن الفيلم يصور أيضاً جزءاً من تجارب المخرج الذي غادر فيتنام  مع والديه الى الولايات المتحدة حين كان في الثانية من عمره وذلك قبل سقوط مدينة سايغون في جنوب فيتنام. وكان سقوط المدينة في يد قوات فيتنام الشمالية سببا في انهاء الوجود الامريكي في المنطقة، ليتم  بعدها تطبيق النظام الشيوعي الذي سرعان ما أصبح في صراع لاحق مع الرأسمالية والتغريب الذي غزا المدينة ببضائعه المستوردة وفنادقه الفخمة وسياحه الأجانب، وفي عام ١٩٩٩ تم تغيير اسم المدينة من سايغون الى (هوشي منه)، تكريما لمؤسس جمهورية فيتنام الشمالية. صور الفيلم في نفس العام وهو يقدم صورة للواقع الفيتنامي والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها المدينة.

فتاة اللوتس
يبدأ الفيلم بمشهد جميل لنساء فيتناميات يرتدين القبعات الفيتنامية المميزة الشكل ويتوجهن للعمل ، حيث يجدفن بقواربهن التقليدية لجمع أزهار اللوتس البيضاء في بحيرة يطل عليها معبدٌ شبه مهجور. تنظر الفتيات باستهجان الى فتاة اللوتس الجديدة التي تجرأت أثناء جمع أزهار اللوتس بغناء أغنية مختلفة عن تلك التي تؤديها إحدى عاملات اللوتس كل يوم. ينصرف ذهن الفتاة الى تأمل المعبد المهجور ، حيث تخبرها احدى الفتيات أن مالك أزهار اللوتس يقيم فيه ولا يخرج منه ، ذلك الشاعر الذي أُصيب بالجذام حين كان في ٢٦ من عمره ليعتزل الحياة والناس في مقعده المتحرك. يستدعي الشاعر الفتاة ويطلب منها أن تغني مرة أخرى تلك الأغنية التي غنتها حين كانت تجمع اللوتس، تلك الأغنية كما يقول الشاعر كان يسمعها في أيام شبابه حين كان كل شيئٍ جميلا وحين كانت نساء السوق العائم تغنينها. تقول فتاة اللوتس للشاعر المريض: سأعيرك يدي ، وتكتب له كل أشعاره التي لم يستطع كتابتها منذا أن فقد أصابعه.

عمالة الأطفال
في المدينة من جهة أخرى أطفال صغار يلبسون ثياب رثة ويعملون في مهن مختلفة تقتطف منهم طفولتهم وبرائتهم، نراقب قصة طفل يعمل كبائع متجول ، يبيع السجائر واللبان ومستلزمات أخرى في صندوق يحمله حول عنقة متنقلا بين السياح، يشفق عليه الرجل الامريكي الذي يبحث عن ابنته، يبادله الكلمات ثم يرحل ليكتشف الطفل ان صندوقه قد تمت سرقته، يبحث بيأس وحين يعود الى المنزل يخبره والده ساخطا الا يعود قبل ان يعثر على الصندوق. يتسكع الطفل في المدينة مع اطفال صغار يعملون باعة متجولون مثله، المطر ينهمر بشدة في طرقات المدينة،  يجلس الطفل بعض الوقت أمام شاشة تلفزيونية في محل الالكترونيات ليتابع بدهشة برنامجا كارتونيا. ربما اللقطة الوحيدة التي يظهر فيها الطفل مبتسما ومستمتعا بعمره الطفولي حين يلبي نداء اصدقائه للعبة الكرة تحت المطر، وهو ما لم يكن يفعله سابقا بسبب انشغاله بالعمل ، و بعد ان يحقق هدف الفوز في المباراة يعثر على صندوقه المسروق بجوار رجل مخمور . تختفي تلك الابتسامة ومرة أخرى نلاحظ الملامح الحزينة اليائسة على وجهه، يعلم الطفل يقينا ان التسكع ولعب الكرة ومشاهدة التلفاز لا يمكن أن يتكرر وأن عليه أن يعود للعمل في الصباح الباكر.

سائق الدراجة وفتاة الليل
تحمل فتاة اللوتس الأزهار لبيعها في المدينة ، حيث تشتد المنافسة بين أزهار اللوتس  الطبيعية وتلك الصناعية التي لا تذبل والتي يتم رشها بمادة معطرة لتبدو أكثر شبها بالأزهار الطبيعية. في السوق يعمل سائق دراجة هوائية مخصصة لنقل الركاب بهدوء وشبه تقبل للواقع الذي تعيشه المدينة ما بين ماضي يتسم بجماله وصفائه وحاضر يحاول أن يغير معالم المدينة وعاداتها . يقضي السائق الشاب وقت انتظاره للزبائن في المطالعة، ومراقبة الرجل الامريكي الخمسيني الذي يحمل معه صورة لامرأة فيتنامية جميلة يسأل عنها في كل مكان. وفي يوم ما ينقل الشاب فتاة ليل جميلة تقضي الليل في الفنادق مع السياح الباحثين عن متعة رخيصة مقابل خمسين دولارا. يقع الشاب في حبها ويلاحقها في عملها الليلي المتنقل بين فنادق سايغون، تقول له الفتاة انها لا تريد ان تستمر في هذا العمل وأنها تتمنى قضاء ليلة واحدة في غرفة فندقية مكيفة دون أن يلمسها أحد . يقرر الشاب دخول مسابقة لأصحاب الدراجات يفوز فيها ليحصل على ٢٠٠ دولار كجائزة، يقول للفتاة : لدي خمسين دولارا هل يمكنك أن تقضي الليل معي؟

موت الشاعر
في هذه المرحلة تعيش فتاة اللوتس ألم فقد الشاعر صاحب بحيرة اللوتس، الذي ارتبطت به وجدانيا والذي يترك لها كل أشعاره المكتوبة. وتحقيقا لأمنيته الأخيرة تحمل الفتاة أزهار الللوتس وتنثرها في قريته حيث النساء في السوق العائم يجلسن في قواربهن بلباسهن وقبعاتهن الفيتنامية التقليدية، وتغني فتاة اللوتس تلك الاغنية التي لامست وجدان الشاعر . فيما ينجح الرجل الأمريكي بالعثور على ابنته، يجلس معها في مقهى ويخبرها عن قصته مع والدتها ويطلب مغفرتها لعل ذلك يحقق له نوعا من السلام الداخلي مع هذا المكان، التي جاء اليها جنديا محاربا لينجب من فتاة فيتنامية ويتركها هي وطفلتها التي لم يرها ولم يحاول أن يراها طوال السنوات المنصرمة.

الرداء الأبيض
في الغرفة الفندقية المكيفة يهدي سائق الدراجة الفتاة رداءً منزليا طويلا زهري اللون ويطلب منها أن ترتديه، يمرر الشاب بيده على شعرها القصير ويطلب منها أن تستلقي على السرير. وهناك يتركها لتنام بسلام  ويرحل ليحقق أمنيتها التي حدثته بها سابقا. تتأثر الفتاة بالمعاملة المحترمة التي تلقتها من الشاب وترفض مقابلته لانها تشعر أنها كفتاة ليل لا تستحق أن تكون مع رجل صادق مثله. لكنه يتعلق بها، وعند قدوم الربيع يأخذها معصبة العينين الى شارع جميل وهي ترتدي لباسا فيتناميا وقوراً أبيض اللون لا يشبه شيئا ملابسها الكاشفة التي كانت تلبسها حين كانت تعمل كفتاة ليل. تنهال عليهما ورود الربيع من الأشجار التي تظلل الشارع وتبتسم الفتاة ابتسامة فصل جديد وبداية جديدة لينتهي الفيلم بهذا المشهد الخلاّب.

الجوائز الدولية
بعض الفصول يمكن أن تغير حياتنا الى الأفضل وبعضها لا تغير حالنا وتبقى قضية عمالة الأطفال هي الجزء الأكثر ايلاما في هذا الفيلم وكأن المخرج يريد أن يقول لنا أن الطفل لا يمكنه دائما ان يغير حياته البائسة كما يفعل البالغون لأن البالغون أنفسهم هم سبب تعاسة الأطفال. فاز الفيلم ولأول مرة في تاريخ مهرجان سندانس السينمائي في الولايات المتحدة بثلاث جوائز كبرى وهي جائزة لجنة التحكيم الكبرى وجائزة الحضور وجائزة التصوير السينمائي كما تم ترشيح الفيلم لجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي.

العودة الى الديار الحب الصادق في الريف الصيني



نُشرت في جريدة الزمن 



المقدمة:
كيف يكون الحب الأول ؟ وكيف يمكن تصوير قصة حب رومانسية عُذرية في زمنٍ تغيرت فيه معاني الحب وطرق التعبير عنه. من زمن الرومانسية والحب البريء يأتي هذا الفيلم الجميل، الذي يتحدث عن علاقة الحب التي نشأت بين فتاة ومدرس القرية، ورغم ذلك فإن هذه العلاقة تبقي علاقة بريئة طاهرة لا تتجاوز النظرات و لا تنقلب إلى علاقة جسدية ، محافظةً على نقاء الفكرة والمعنى ، فحتى كلمات الحب والغزل لن تسمعها في هذا الفيلم ، لكن حب هذه الفتاة الخالد يصلك من خلال نظراتها الوالهة، وابتسامتها الساحرة، وركضتها الطفولية بعد أن تختلق الصدف والمواقف  لتلمح المدرس خلسة ، وأخيراً تضحيتها وانتظارها الطويل  لأجل عودته في وسط الثلوج حتى تقارب الموت .

ولا يمكنك اغفال العادات والتقاليد التي تحتفظ بها هذه القرية النائية في شمال الصين والتي تمتاز بجو بارد تتساقط فيه الثلوج وتكثر العواصف الثلجية، فالمنازل بسيطة جدا في مظهرها الخارجي ومحدودة المساحة والاستخدام من داخلها، وأكثر ما يمكن مشاهدته في داخل المنزل هي تلك البطانيات والمعاطف اليدوية الثقيلة التي تزدان بألوانها المشرقة فتصنع لوحة جميلة مع المساحات والسهول الخضراء التي تحيط بهذه القرية الصغيرة.

الجنازة :
تبدأ أحداث الفيلم بالأبيض والاسود حين يقرر رجل أعمال شاب يعمل في المدينة العودة الى قريته البعيدة لحضور جنازة والده ،  الذي كان يعمل معلما في القرية طوال الأربعين سنة الماضية. توفي المعلم حين كان يحاول جمع المزيد من التبرعات لبناء مدرسة جديدة بالقرية، ولكنه علق في وسط عاصفة ثلجية شديدة ولم يتمكن من النجاة رغم أن القرويين نقلوه للمستشفى الا أنه فارق الحياة. يعود الشاب وهو شديد القلق على والدته التي وجدها تبكي خارج المدرسة التي كان والده يعلم أطفال القرية فيها. يخبره محافظ القرية أن والدته مصرة على دفن والده حسب التقاليد الصينية القديمة التي لم يعد أحدٌ يقوم بها لصعوبتها، والتي تقتضي بحمل الجنازة مشيا على الأقدام عبر طرق القرية وسهولها وأنهارها وصولا للمنزل حتى لا تضل الروح سبيلها في العودة الى الديار بعد الموت.

يخبر الشاب والدته أن معظم شباب القرية غادروها للعمل خارجا ولم يبقى الكثيرون لحمل الجنازة كل هذه المسافة خاصة في ظل الأجواء الثلجية الباردة. ولكن الأم تجيب باصرار بأنهم سيستأجرون الرجال من القرى المجاورة لحمل الجنازة إن تطلب الأمر. يرضخ الابن لمطالب والدته خاصة حين تقوم بنسج كفن والده على النول، وهو النول الوحيد الذي ما زال متبقيا في القرية.  وهنا يُصيب الُمشاهد شيء من الاستغراب فلماذا تصر هذه السيدة العجوز على اتباع كل تلك التقاليد القديمة والمنُهكة ونسج الكفن بيديها وهي امرأة كبيرة في السن بدلا من ابتياع كفن جاهز ؟  هل هي امرأة متصابية مثلا ؟ ولكن مع أحداث الفيلم يتكشف للقارئ قصة امرأة عاشقة وقصة طريق لطالما وقفت فيه الساعات والأيام في انتظار عودة الحبيب ، وهي اليوم تريد لروح هذا الحبيب أن تشهد للمرة الأخيرة تلك الرحلة التي كانت تقوم بها من أجله قبل أربعين عاما.

الفتاة القروية
وهنا يعود الابن الشاب بذكرياته الى الوراء وتنتقل الشاشة الى الألوان بدلا من الأبيض والأسود وكأنها تريد للمُشاهد أن يعود إلى ذلك الزمن الجميل الذي شهدت فيه القرية قصة الحب المشهورة بين والديه، حين تجّمع أهالي القرية برجالهم ونسائهم وأطفالهم في إنتظار معلم القرية الذي سيصل أخيرا ليعمل في المدرسة الصغيرة التي بدأ الأهالي ببنائها، ولم يكن من السهل الحصول على معلم يقبل العمل في تلك القرية الثلجية النائية. وحين أطل الشاب العشريني على جموع القرية وقعت عين دوا جميلة القرية التي أكملت عامها الثامن عشر على المدرس الجديد، لتتلاقى نظراتها مع نظرات المدرس الشاب ولنكتشف أن الأرواح يمكن أن تتلاقى بأبسط الطرق الممكنة .

برعت جميلة السينما الصينية شانغ زايي - التي ُعرفت بدور الفتاة الذكية والقوية في فيلم Crouching tiger Hidden Dragon- في تمثيل دور الفتاة البريئة التي تختلق المواقف التي يمكن أن نختلقها جميعا من أجل حبٍ بدأت تتكشف ملامحه وتشتد في القلب نبضاته فتدفعك الى اقتناص الفرص الممكنة والتي يمكن أن تفشل أحيانا لنحظى بنظرة واحدة من الحبيب ولو كانت نظرة عابرة وخاطفة.

الحب الخالد
إذاً وقعت دوا الفتاة الرقيقة في حب الشاب من أول لحظة رأته فيه، وأصبح عشقٍ لا يمكن مكابدته ، فقد كانت دوا تقف الساعات بانتظار خروج المعلم من المدرسة حيث يصطحب بعض الاطفال إلى منازلهم، وحينها تقف دوا لتشاهده من بعيد. وفي يومٍ ما همست له : غدا دورنا لاستضافتك للغداء. فقد كانت تقاليد القرية تقتضي باستضافة عوائل القرية للمدرس الجديد بشكل دوري. تعد دوا أفضل أطباقها، وتدرك والدتها السيدة العمياء أن ابنتها واقعه في غرام المعلم ولكنها تنصحها قائله : نحن لا نناسبه من حيث المستوى فكيف يمكن لابن المدينة المتُعلم أن يتزوج فتاة قروية بسيطة وغير متعلمة ؟ ولكن ما لم تدركه الأم أن المعلم كان واقعٌ أيضا في غرام الفتاة.

الفراق المرير
 يضطر المعلم الشاب الذهاب للمدينة واعدا دوا بالعودة في تاريخ محدد، ولكن الفتاة تشتاق لصوت معلم القرية ويُخيل لها أنه عاد مع طلابه الى المدرسة، تنطلق الى المدرسة لتجدها ساكنة، فتقوم بإعادة تزيين النوافذ وتمسح لوح الكتابة وتنظف الطاولات الخشبية. يلمحها المحافظ من النافذة ويدرك أن الفتاة عاشقة وهو ما يكون السابقة الأولى في تاريخ القرية حيث تعّود السكان على الزواج المرتب بين العائلات وعلى الحب الذي يأتي بعد الزواج. وفي اليوم المتوقع لعودة الُمعلم تنتظر دوا لساعات طويلة على قارعة الطريق رغم سوء الأحوال الجوية، ولكن المعلم ولظروف قاهرة لا يعود. تصاب دوا بحمى شديدة نتيجة لوقوفها ساعات طويلة وطس تساقط الثلوج ، إلا أن هذه الحمى لا تقعدها عن لبس أثقل ما لديها والتصميم على الذهاب إلى المدينة للبحث عن المعلم.  تسقط دوا مغشيا عليها في وسط العاصفة الثلجية، ويحملها رجال القرية وهم يتوقعون موتها، لكنها تبقى فاقدةً الوعي لعدة أيام حتى يصل الحبيب لزيارتها فيجدها مريضة وينصرف الى صفه. وحين تركض الفتاة الى المدرسة لرؤيته يتصايح أفراد القرية المجتمعين عند المدرسة : أيها المعلم .. دوا هنا.. دوا جاءت لرؤيتك !

تصبح قصة دوا ومعلم القرية أشهر قصة حب في القرية، ولكن الفراق يحل عليهما مره أخرى حين يُعاقب المعلم لتركه عمله في المدينة والعودة لرؤية دوا دون انذار مسبق ، وتبقى دوا في انتظاره لمدة عامين حيث تقف من جديد على الطريق كل يوم في انتظار اليوم الذي سيعود فيه، وحين يعود المعلم أخيرا يقرر البقاء معها ولا يفارق القرية منذ ذلك اليوم حتى موته و ليبقى مُعلم القرية الوحيد لأربعين سنة أخرى.

العودة الى الديار :
وفي يوم الجنازة يتفاجأ ابن المعلم بعدد طلاب والده الذين جاؤا لحضور الجنازة ،
حيث يقبل كل طلابه من قريتهم والقرى المجاورة ويصرون على حمل الجنازة والمشي بها ساعات طويلة دون مقابل ، وتقرر دوا دفن زوجها على التلة التي تواجه المدرسة وبجوار البئر المهجور الذي كان مهجورا حتى قررت دوا في شبابها سقي الماء منه لتكون قريبة من حبيبها. وللمرة الاخيرة يقرر ابن المُعلم جمع طلاب القرية ليدرسهم يوما واحدا اكراما لروح والده وتنفيذا لرغبة والدته، تتصاعد التحايا الصباحية من نفس الكتيب الذي كتب كلماته المُعلم حين كان شابا، ومعها تستفيق ذكريات الفتاة الشابة التي أحبت صوت معلم المدرسة وهو يصدح في القرية كل صباح.

حول الفيلم:
الفيلم من إنتاج شركة كولومبيان بكشر الامريكية وبالتعاون مع استديوهات قوانق اكساي الصينية، تعتمد قصة الفيلم  على رواية للكاتب باو شاي Bao Shi بعنوان الذكرى، وقام باخراج الفيلم المبدع الصيني (زانغ إيمو) Yimou Zhang، الذي عُرف باخراجه لعدد من الافلام الصينية الأمريكية المعروفة مثل فيلم Hero . عرض الفيلم في عام ٢٠٠٠ وحاز على جوائز في كل من مهرجان برلين الدولي ومهرجان سندانسSundance للأفلام المستقلة، وهو مهرجان أمريكي للأفلام المستقلة يقام سنويا في ولاية يوتا الأمريكية. تم تصوير مشاهد الفيلم في شمال كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية.


"قطب المعشوقين": رسائل تذهب إلى قونية



حوار مجلة العربي الجديد

"قطب المعشوقين": رسائل تذهب إلى قونية

اللوحة للفنانة التركية  ريسام أتوس، نشرت في موقع المقابلة


"قطب المعشوقين": رسائل تذهب إلى قونية

تيماء دحيم
17 فبراير 2018
كثيرة هي استعادات جلال الدين الرومي، تتنوّع مداخلها من الأدب إلى الفكر مروراً بالتصوّف، كما تتنوّع أجناس هذه الاستعادات من الشعر إلى البحوث، وتمتدّ إلى المسرح والسينما. "قطب المعشوقين: رسائل إلى جلال الدين الرومي" كتاب آخر يستعيد المتصوّف الفارسي، صدر مؤخراً عن "دار سؤال" للكاتبة العُمانية أمامة اللواتي، وفيه تتنوّع الأشكال الأدبية التي تعتمدها في استعادة صاحب "المثنوي" من كتابة السيرة إلى أدب الرحلة، بالإضافة إلى اعتماد شكل الرسالة الأدبية.
في حديث إلى "العربي الجديد"، تشير المؤلفة إلى أنها لامست وهي تعدّ لكتابها هذا التنوّع الكبير في استعادة جلال الدين الرومي، وهي ترى أن "الثقافة العربية تجتهد لاستقبال هذا الشاعر حيث تعدّدت ترجماته وجرى تجويدها في طبعات عصرية وبشروحات أكثر دقة ووضوحاً".
تعتقد اللواتي أن "العودة لفكر التصوّف وبالذات إلى جلال الدين الرومي هو بحث النفس عن السكينة والهدوء والبحث عن الوحدة التي تربطنا كبشر رغم اختلافنا، وقد تكون من أسباب ذلك -كما ذكرتُ في الكتاب- هو ما نعيشه من أحداث محزنة ومخيّبة على مستوى العالم العربي".
حول خيار العنوان، توضّح بأن عبارة "قطب المعشوقين" هي إحدى التسميات التي أطلقها الرومي على معلمه شمس التبريزي، في حين أن العنوان الثانوي للعمل وهو "رسائل إلى جلال الدين الرومي" مستمدّ من مضمون الجزء الثالث لمحتويات الكتاب.
وعن تجربتها مع الشخصية التي اختارتها لعملها، تقول: "تعرفت على جلال الدين الرومي من خلال القراءة، ولشهور ممتدة كنت أقرأ الأجزاء الستة من كتاب "المثنوي"، وأعيش مع كلماته الدهشة والسكينة، وقد صادفت هذه الفترة أنني منشغلة بأبحاث حول التعايش والتعددية الدينية والثقافية في عالمنا المعاصر، ووجدت في فكر الرومي رباطاً إنسانياً يجمع كل المتذوّقين لأصناف المعرفة على مائدة واحدة مع اختلاف الطعام واللون والذوق".
تشير الكاتبة العُمانية إلى دافع آخر أحدثته زيارتها إلى مدينة قونية في تركيا، حيث ضريح جلال الدين الرومي، تقول: "كتبتُ عن هذه الزيارة وحين أطلعت أحد الأصدقاء، وهو الشاعر العزيز عبد الرزاق الربيعي، على تلك النصوص وهي في مسودتها الأولى نصحني ببلورة الفكرة ونشرها في كتاب مع إضافة أجزاء أخرى إليها".
يتضمّن الكتاب أربعة أجزاء تتفاوت أحجامها، فالجزء الأول يحتوي على صياغة اللواتي لسيرة الشاعر الفارسي وتقدّم مؤلفاته وخصوصاً كتاب "المثنوي". أما الجزء الثاني، فهو مخصّص لرحلة قونية ومقام الرومي والحكايات التي التقطتها الكاتبة حوله، في حين يتضمّن الجزء الثالث والأساسي من الكتاب رسائل نثرية وشعرية قصيرة ذات لمسة صوفية، وتغلق المؤلفة عملها بجزء رابع يتضمّن مختارات من "المثنوي" بأجزائه الستة.

أمامة اللواتي: الكاتب العماني يؤلف للداخل المحلي


حوار جريدة الخليج الاماراتية



مسقط: «الخليج»
«أحمر، أصفر، أزرق»، عنوان مدونة أمامة اللواتي، التي تعكس من خلالها شخصيتها المميزة ككاتبة وقاصة، تجد في عوالم الأطفال مكاناً خصباً للخيال، وفي قضايا الناس، وهمومها وأفكارها مادة ثرية للقصة والنثر والمقال، ومع إصدار نثري وآخر قصصي وسبعة إصدارات قصصية للأطفال، تمضي أمامة اللواتي، بمسيرتها الملونة بألوان قوس قزح الحافلة بالعطاء... المزيد عنها في هذا الحوار:

في البداية دعينا نتعرف أكثر إلى أمامة اللواتي؟
-أمامة مصطفى اللواتي، مواليد مدينة مطرح الساحلية الجميلة، وخريجة بكالوريوس صحافة وإعلام، وماجستير اتصال وعلاقات عامة، عملت في مجال التدريس بقسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس لسنوات عديدة، وفي مجال الكتابة لي إصدار بعنوان «شطرنج الأفكار»، عبارة عن مقالات قمت بنشرها في الصحف والمجلات المختلفة، وهناك إصدار قصصي بعنوان «ما وراء الأمس»، وإصدار نثري بعنوان «راحلٌ برفقة الملائكة»، كما أن لي مشاركات بأوراق بحثية في مجال تخصصي «الإعلام»، في عدد من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية، وبالنسبة للإصدارات الموجهة للطفل، فلدي حتى الآن سبعة إصدارات.
ما رأيك في واقع الأدب العماني، ماذا ينقصه وماذا يحتاج إليه ليتطور أكثر؟
-قد أكون متابعة للأدب العماني أكثر من أن أكون ناقدة له، بعض إنتاجات الأدب العماني مميزة وفيها ما يثير الاهتمام، ولكن بعضها متشابه، وربما لا يزال يدور حول الأفكار نفسها، خاصة في القصة القصيرة والرواية.
هل الكاتب العماني عابر للثقافات، أي هل يكتب للمواطن الخليجي والعربي، أم مازال داخل قفصه العماني؟
-أعتقد أن الكاتب العماني، ما زال يكتب للداخل المحلي، وهذا ليس شيئاً سيئاً، فالخصوصية التي توجد في الأدب العماني قد تكون هي نقطة الجذب بالنسبة للقارىء العربي، فالعديد من الكتاب العرب وغير العرب، يركزون على قضاياهم وواقعهم المحلي، الذي ربما لا يعرف عنه الآخر الكثير.
أنت عضوة في جمعية الأدباء والكتاب، ما رأيك في أدائها بشكل عام وماذا عليها أن تفعل برأيك؟
-ربما من المبكر الآن الحكم على أدائها الحالي، بسبب تغير مجلس إدارتها منذ فترة قريبة، ولكن بشكل عام وبغض النظر عن ذلك، فوجود الجمعية والجهود التي تبذلها ملحوظة، وربما هي بحاجة إلى التطوير بشكل دائم، والابتعاد عن الإطار الرسمي، والتعامل بشفافية أكثر مع الأعضاء، والعمل على زيادة التواصل بين الكاتب العماني وغيره من الكتاب، وتعريف الكاتب العربي بالكاتب العماني.

في عصر الديجيتل والتواصل الاجتماعي الرقمي، هل ما زال هنالك مساحة للكتاب التقليدي، أم أن على الكاتب أن يتوجه نحو الإصدار الرقمي أيضاً؟
-الإصدار الرقمي قد يكون خياراً أسرع وأكثر انتشاراً للكتاب، إلا أن الكاتب ما زال يحب رؤية كتابه الورقي، بالنسبة لي شخصياً، أفضل قراءة الكتاب الورقي ولا أستمتع بالكتاب الإلكتروني، ورغم ذلك، فإنني في حالة رغبتي في إصدار شعري، فسأقوم بإصداره إلكترونياً، لكن في مجال أدب الأطفال، أعتقد أن الكتاب الورقي لا غنى عنه.

ما هي طموحاتك على الصعيد الشخصي والعام؟
-لارغبة لدي أقوى من أن نعيش بسلام وأمان، هذا السلام الذي غاب عن أوطان كثيرة، ولذلك أتمنى أن تتاح لي يوماً فرصة تقديم شيء لتوفير مكان أكثر أمناً وأكثر جمالاً للأطفال، على الصعيد الشخصي، فأنا أجد البهجة في كل ما أفعله، وفي كل مرحلة أكتشف هوايات واهتمامات جديدة، وطموح الإنسان وشغفه لا يتوقف، وكلما حققنا شيئاً ما، تطلعنا إلى شيء آخر، ولذلك لا أضع توقعات كثيرة للمستقبل بل أحب ما يأتيني من مفاجآت.


-  http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/fc789681-d36c-4062-9d01-55ad19514841#sthash.QwBeqlz8.dpuf

الكاتبة أمامة اللواتية لـ”أشرعة”: “قطب المعشوقين” يضم الجانب التوثيقي والكتابة المنهجية ويركز على جلال الدين الرومي

حوار جريدة الوطن العمانية

حوار ـ خميس السلطي:
“قطب المعشوقين” رسائل إلى جلال الدين الرومي، هو أحدث إصدارات الكاتبة أمامة بنت مصطفى اللواتي، في هذا الكتاب ثمة سفر بديع مع الرومي حيث الحكايات والشعر واللمسات الصوفية، وهنا يجد القارئ رؤية مغايرة للتواصل معه، وتعرف الكاتبة أمامة اللواتية أنها ضمن الأقلام العمانية التي لها اهتمامات بالغة بالطفل، يتمثل ذلك في إصداراتها المتعددة إضافة إلى الحلقات النقاشية المستمرة في عدد من المؤسسات الرسمية والمجتمعية، تحب الكاتبة أمامة اللواتية أن تكتب بنكهة فيها الخيال والتشويق وفي معرض الكتاب ‏قدمت لها فرقة مسرح الدن‬ عرضا مسرحيا تفاعليا بعنوان “النجوم المعلقة” بمشاركة الأطفال بركن مسرح الطفل بمشاركة الممثلة نور الهدى الغمارية، إعداد وإخراج: محمد خلفان، حول الكثير من التفاصيل وعوالم الكتابة كان هذا الحوار:
———————–
- في بداية الأمر نود أن نفتش تلك الرسائل الموجهة الى جلال الدين الرومي من خلال كتابك الجديد (قطب المعشوقين) الذي صدر حديثا؟ كيف تخبريننا عنه؟
صدر الكتاب عن دار سؤال هذا العام وينقسم الكتاب إلى أربعة أجزاء تتفاوت في عدد صفحاتها، فالجزء الأول يحوي نبذة عن جلال الدين الرومي ومؤلفاته وبالذات كتابه المثنوي، والجزء الثاني: عن رحلتي إلى قونية بتركيا ومقام الرومي والحكايات التي التقطتها من هناك حول الرومي، والجزء الثالث يتكون من رسائل شعرية قصيرة ذات لمسة صوفية، والجزء الرابع: يحوي مختارات من المثنوي بأجزائه الستة من ترجمة الدكتور ابراهيم الدسوقي شتا.

- في تصورك ماذا يميزه عن غيره من المؤلفات في عوالم جلال الدين الرومي؟
ما يميز هذا الكتاب كما أجزم هو أنه يضم شيئا من الجانب التوثيقي والكتابة المنهجية في الجزء الأول حين يركز على جلال الدين الرومي وكتابه الأشهر المثنوي، ثم شيئا من أدب الرحلات والذي للأسف وخارجا عن ظروف الإرادة لم يتضمن الكتاب الصور التي التقطتها شخصيا خلال زيارتي القصيرة لمدينة قونية التركية، وثم نصوص شعرية من تأليفي وأخيرا مختارات من المثنوي. وبالتالي فالكتاب رحلة صغيرة منوعة ترضي من هو سائرٌ يتلمس خطواته على درب مولانا جلال الدين الرومي. وأحب أن أشير أولا إلى أن هذه المختارات التي ترجمها الدكتور ابراهيم شتا، والتي قمت بانتقائها من الأجزاء الستة، ووضع ما يناسبها من العناوين تمثل اختيارات شخصية، أحببت من خلالها أن أقرب هذا العمل الذي يتكون من عدة أجزاء، تتشابك وتتداخل فيها الحكايات والمواعظ والقصص إلى شكل أيسر للقراءة والاستمتاع بجمال ما كتبه مولانا في رائعته المثنوي. كما أنها تمثل تلك المقاطع التي شعرت بالقرب منها أكثر من غيرها سواء من حيث جمال اللفظ أو عمق المعنى.

- وما هو الدافع الرئيس الذي جعلك تقومين برسم ملامح هذه الرسائل في وقتنا الحاضر؟
وراء أي عمل ننجزه أو نكتب عنه تكمن عدة دوافع. الدافع الأول يكون نابعاً من اهتمام شخصي سواء في موضوع البحث أو الكتابة أو النشر. ثم ينبغي لنا أن نتساءل بعدها كيف سيفيد هذا الكتاب المطبوع والجهد الذي بذل فيه القارىء؟ وفكرة الكتاب جاءت متأخرة أي بعد ما يقارب السنتين من تعرفي على إرث جلال الدين الرومي، ولشهور ممتدة كنت أقرأ الأجزاء الستة من كتاب المثنوي لمولانا، في كل يوم كنت أعيش حالة التعلق والدهشة بهذا الجمال الباذخ من الكلمات والمعاني. وفي فكر جلال الدين الرومي ما يساعدنا اليوم على المحبة وتغيير سلوكياتنا خيث يمثل رباطاً إنسانيا يجمع كل المتذوقين لأصناف المعرفة على مائدة واحدة مع اختلاف الطعام واللون والذوق. لاحظت أن هناك أقوالا وعبارات كثيرة تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي عن مولانا وتتردد ربما أكثر من غيرها، في حين لم يتعرف أغلب من ينقلون أقوال مولانا الرومي على شعره كما ورد في كتابه المثنوي، ومن جهة أخرى وجدت أن قراءة الأجزاء الستة من المثنوي قد تمثل التزاما صعبا مع رغبة البعض في قراءة سريعة وربما مركزة في أقوال مولانا ولاكتشاف سر هذه الهالة التي تحيط بأفكاره وعباراته. ولذا أحببت أن أقدم بعضا من مختارات المثنوي في شكل يسهل على القارىء التعرف عليه وتذوق جماله.

- لديك عوالم متقاطعة حيث أدب الطفل وعلاقتك بها شغف شديد .. لنقترب منها ؟ نتعرف على أبجدياتها؟
الكتابة للطفل تجربة جميلة وممتعة وفيها شيءٌ من التحدي والابتكار. أحب أن أقرب المفاهيم الصعبة إلى الأطفال ولذلك كتبت مثلا قصة بعنوان ( لماذا لا تسقط النجوم) وهي تقرب الى الطفل مفهوم الجاذبية. أيضا أحب أن أكتب بنكهة فيها الخيال والتشويق وهي عناصر موجودة لدى الأطفال فهم يتخيلون بشكل أبرع من الكبار ويشعرون بالتشويق لدى اكتشاف فكرة أو شيء جديد. ثم كانت فكرتي المزاوجة بين ما أقرأه للكبار وما يمكن أن أقدمه للأطفال، وهكذا مرة أخرى وجدت في قصص المثنوي قصصا طريفة ذات معان صوفية وأخلاقية، قمت بإعادة كتابتها وقدمتها على شكل حلقات مسلسلة ومرسومة بألوان مشرقة بريشة الفنانة السورية كنانة محمد، يتم نشرها في مجلة الحسيني الصغير التي تصدر من مدينة كربلاء العراقية. إلى جانب سلسلة من الحكايات التراثية التي أيضا قمت بإعادة صياغتها ويتم نشرها في مجلة قنبر العراقية وبرسوم الفنانة العراقية انطلاق محمد علي. في حين يركز آخر إصدار والذي صدر عن بيت الزبير (سر الأسئلة الغريبة) على اعادة صياغة وتقديم قصص التراث العماني، وقامت برسم لوحات هذا الكتاب رسامات عمانيات بلوحات تحمل نكهة وجمالا عمانيا لافتا. وهناك أفكار أخرى قادمة في هذا المجال.

- جهودك في أدب الطفل حاضرة وبقوة، ثمة اهتمام بالغ من قبلك تجاه هذا الأدب لنتعرف عن ماهيته وإصداراتك في هذا الشأن؟
إصداراتي عديدة في هذا الشأن من بينها (الساندويشة) دار الهادي، بيروت 2008 و(القط والبحر) دار الهادي 2008، و(حوض الأسماك) دار الهادي 2008، و (العجائب السبع في بيت خيال) 2014، Author Houe , USA، أضف إلى ذلك (أريد أن أشتري جبلا) 2015 دار الغشام للنشر والترجمة، سلطنة عمان. و(البيت الغريب العجيب) دار أصالة، بيروت 2015، و(عطسة حمزة) 2016، دار العالم العربي، الإمارات العربية المتحدة. و (لماذا لا تسقط النجوم) 2017، دار البنان، بيروت. و(الفيل والمهندس نعمان) 2018، دار أصالة، بيروت. و(سرُ الأسئلة الغريبة) قصص من التراث الشعبي العماني ، 2018، مؤسسة بيت الزبير، سلطنة عُمان.

- كيف تجد أمامة اللواتي واقع أدب الطفل في السلطنة؟ هل ثمة تعويل على القادم في ظل وجود محاولات ملموسة لا سيما افتتاح مكتبة للطفل مؤخرا في العاصمة مسقط ؟ ماهي قراءتك لهذا المشهد عموما؟
يتكرر هذا السؤال كثيرا والتعميم أو التخصيص أيضا قد لا يفيد، ولكن يمكن أن أقدم وجهة نظري في ذلك. فأنا متفائلة بهذا الخصوص رغم وجود بعض المعوقات، ولكن ربما المعوقات هي ما تجعلنا نكرر المحاولة. تزايد الاهتمام بالطفل ومبادراته والقراءة له مجتمعيا ومؤسسيا. وقد لاحظت في معرض مسقط للكتاب إقبالا من الأفراد والمؤسسات على اقتناء كتب الأطفال، والإقبال على زيارة مكتبة الطفل العامة من خلال الزيارات المدرسية هائل ومشجع للغاية، لكننا ما زلنا بحاجة إلى الاستثمار الجيد والواعي في هذا الجانب. ما زلنا بحاجة إلى استثمار الجهات الخاصة والشخصيات المؤثرة والمقتدرة ماليا بالدرجة الأولى في مثل هذه المشاريع والعمل على تشغيلها واستمرارها، ومكتبة مثل مكتبة الطفل العامة بحاجة إلى اهتمام أكبر من قبل القادرين ماديا وبشريا لتطويرها. أيضا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من التدريب والتأهيل في مجال الكتابة والرسم للطفل في عُمان وهذا النوع من الدعم محدود. نحن بحاجة إلى مكتبات متخصصة للطفل في كل المدن والقرى العمانية، وليس بالضرورة ان تكون على مستوى عال من الفخامة والضخامة بل يكفي أن توفر للطفل جديد المكتبات ودور النشر العربية وأن تنشأ بطريقة جذابة تحفز الطفل على البقاء فيها والقراءة.

- من بين أعمالك الأدبية التي قدمت للطفل العُماني تلك الاعمال المباشرة وغير المباشرة والحلقات القرائية التي أقيمت في محافظات السلطنة،، لنقترب أكثر من تلك الحلقات ونتائجها؟
فكرة الحلقات القرائية ممتعة بالنسبة لي، لأنها تجعلني أرحل إلى الطفل، وحضور الأطفال لمثل هذه الفعاليات يبهجني لأنه يدل على اهتمام الطفل بالقراءة أولا، ويدل ثانيا على اهتمام الآباء والأمهات بإشراك أطفالهم في مثل هذه الفعاليات. أمنيتي حقيقة أن أزور كل قرية في بلادي ومعي قصة أهديها لكل طفل يهوى القراءة. أطفالنا مبدعون وحساسون وربما ينبغي ان نهتم أكثر بالأطفال الذين لا تصل إليهم الإصدارات الجميلة. أيضا مثل هذه الحلقات فرصة كبيرة لنخلق طفلا واعيا، يحترم بيئته ويقدر العلم ويقرأ الأدب، ويمتلك طموحاته وأحلامه الخاصة.

- من بين إصداراتك التي عرفناها إصدار (هل يمكن أن أشتري جبلا؟) على ماذا يطلعنا هذا الإصدار ؟
صدرت هذه القصة عام 2015 عن دار الغشام وبدعم من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وقامت برسمها الفنانة الأردنية صبا بشناق بلوحاتها المبتكرة التي أحبها الجميع. تتحدث هذه القصة عن الفتى علي الذي يحب تسلق الجبال، ولكنه يصبح مريضا بعد ان هُدمت كل جبال مدينته من أجل بناء الشوارع والمنازل والمراكز التجارية، فيذهب في رحلة طويلة باحثا عن جبل حتى يحصل عليه فيزرعه إلى جوار منزله ثم يصبح في نهاية القصة متسلقا محترفا وبطموحه يصل الى قمة أفرست. هذا الإصدار ثمرة حبي لهواية تسلق الجبال التي كنت أمارسها في طفولتي والتي عدت لممارستها قبل شهور. ربما لا حب في قلبي يفوق حبي لبلادي بكل ما فيها من الصحاري والجبال والبحار. وقد تكون هذه القصة نتاج مخاوفي وقلقي فماذا لو أدت بنا المدنية والتفكير غير المخطط في تدمير بيئتنا المميزة ومنها جبالنا الشاهقة ؟

- وماذا عن إصدار (راحلٌ برفقة الملائكة)؟
يُعد هذا إصداري الشعري الأول والذي صدر عام 2012 عن دار نينوى السورية، ويضم نصوصي الأولى التي كتبتها في مجال الشعر. وأجزم ان تجربتي كانت في بداياتها حين أصدرت هذه المجموعة.

- انتهينا من فعالية معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ23 .، وقد كان حضورك ملموسا، كيف تجدين هذه التظاهرة؟ ماذا تعني لك ككاتبة ومؤلفة عمانية ؟
الجميع بالطبع ينتظر هذه الظاهرة بفارغ الصبر كل عام، مع قلة المكتبات الجيدة في السلطنة. ما أسعدني جدا في هذه السنة هو كثرة الفعاليات الثقافية والمحاضرات والندوات وحلقات العمل التي صاحبته، ورغم أني لم أتمكن من حضور إلا جزء يسير منها، لكن وجود كل هذه الفعاليات وإقبال المؤسسات الثقافية على تنظيمها وإقامتها ينعش الروح ويستحق الإشادة والشكر.

- ماذا سنقرأ لأمامة اللواتي في القريب المقبل؟
أحب دائما ان أترك الحديث عن المستقبل حينما يصبح حاضرا وملموسا، فالأفكار والأحلام كثيرة ونعتقد أحيانا أننا رسونا على الشاطىء الذي ننشده لنكتشف أنه بداية الرحلة فقط.
http://alwatan.com/details/248920

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

أمامة مصطفى محمد: على الطفل أن لا يفقد متعة تصفح الكتاب وملامسة لوحاته والاستمتاع بتقليب الصفحات

حوار مع شبكة فجر الثقافية

أمامة مصطفى محمد: على الطفل أن لا يفقد متعة تصفح الكتاب وملامسة لوحاته والاستمتاع بتقليب الصفحات

نسرين نجم .. 
ما بين أدب الأطفال والرحلات والأدب الصوفي كتبت قصصًا وروايات مليئة بالمعرفة والثقافة بأسلوب سلس مرن يفهمه الصغير والكبير ويدخل في قلوبهم ويسكن في وجدانهم وتدفعهم ليعيشوا معها ما تكتبه وكأنها مشاهد تحدث أمامهم، الأمر الذي ميّز قلمها وأدبها عن الكثير الكثير من الكتّاب، إنها القاصة والكاتبة أمامة مصطفى محمد اللواتي التي تمتلك في جعبتها العديد من الكتب وعشرات المقالات، والتي أجرينا معها هذا الحوار حول عالم الكتابة:

* أدب الأطفال بين الواقع والمرتجى:
اختارت الكاتبة أمامة اللواتي الكتابة لأنها الوسيلة للتعبير عن الذات وعن مكنونات النفس إلى جانب حبها الفطري للمطالعة وللكتابة فتقول: "كنت أحب القراءة من الطفولة، بدأت بقصص الأطفال والمجلات، وأذكر أني نشرت أول حوار قصير لي كنت قد أجريته مع والدي ونشرتهُ في مجلة ماجد حين كنت في أولى مراحل الدراسة، ثم بدأت أكتب كلما شعرتُ أني بحاجة للتعبير عن أفكاري ومشاعري. ربما كنت أكتب لأني كنت أجد أن الكتابة هي أيسر طريقة لأعبر فيها عن غضبي أو سعادتي أو مشاعري تجاه الآخرين، ثم بالإضافة إلى ذلك شعرتُ أن لدي أفكارًا أريد أن أنقلها للآخرين ولهذا لا يكفي أن أكتب بل يجب أن أنقلها للآخرين عن طريق نشرها في الصحف والمجلات."
البدء برحلة الكتابة جعلتها تعرّج وبنجاح على أدب الأطفال، وعن هذا التوجه وسبب اختيارها لها ومدى أهميته تقول: "لم أكن أخطط للتوجه إلى أدب الطفل، رغم أني أحب تجربتي فيه والتي أعتقد أنها ما زالت في بداياتها. ربما ما جعلني أحب هذا المجال مع الأيام أني أشعر بتعاسة كبيرة كلما كان عالم الطفل غائمًا ومليئًا بالمنغصات والأحزان. الطفل كائن هش بديع، وأحب أن أراه سعيدًا مبتهجًا وأرغب في أمنح الطفل شيئًا ولو ضئيلًا من البهجة والفرح، ويزعجني كثيرًا أن أرى طفلًا حزينًا أو مهمومًا. وللأسف الحروب التي مرت على مجتمعاتنا العربية دمرت أجمل مرحلة في عمر الإنسان وهي مرحلة الطفولة."

تقدم الكاتبة أمامة اللواتي صورة عن واقع وحال أدب الأطفال في عالمنا العربي فتقول: "أعتقد أن هناك أمورًا إيجابية عدة، أشعر بتزايد الاهتمام بأدب الطفل عربيًّا، من خلال الجوائز والمبادرات العربية في هذا المجال، وازدياد دور النشر العربية المتخصصة في مجال الطفل مؤشر إيجابي، ولكن ربما نحن بحاجة إلى مزيد من الدعم لأن واقع أدب الطفل يواجه عدة تحديات منها أن لغات أخرى مثل الإنكليزية أصبحت تنافس اللغة العربية في جانب القراءة، وطريقة تدريس اللغة العربية في المدارس ربما يجب أن تتغير لتجذب الطفل إلى حب اللغة الأم، أعتقد علينا أن نبذل جهودًا جبارة أمام التكنولوجيا الحديثة التي تغزو أوقاتنا قبل أن تغزو أوقات الجيل الجديد، علينا أن نبذل جهودًا أكبر لتكون القراءة الموجهة والقراءة الحرة فرضًا مقدسًا على الطفل في البيت والمدرسة."
وحول الشروط التي يجب توفرها لمن يتوجه إلى أدب الأطفال، وأيهما أنجح في التوجه للأطفال الكاتب أم الكاتبة لإننا نشهد أكثر من يدخل هذا العالم هن من النساء، تقول: "لا أدري إذا كان بإمكاني وصفها بالشروط، الكتابة في البداية شغف، وحين نشعر بأننا نملك الشغف والاهتمام بمجال معين فهذا أهم حافز، ربما التخيل والإحساس والتفكير كالطفل والاختلاط بالأطفال وسماع حكاياتهم يساعد على الكتابة إلى جانب القدرة على التخيل وتحويل المعلومات الصعبة إلى معلومات يمكن للطفل أن يستوعبها. نعم ربما المرأة الكاتبة أكثر قربًا من هذا العالم، رغم أن في عالمنا العربي أسماء معروفة في مجال الكتابة للطفل من الرجال أيضًا."

* السفر يقوي الإحساس بالجمال والفن والحياة:
تعشق الكاتبة أمامة مصطفى محمد اللواتي السفر، فما الذي يضيفه هذا الأخير على المخزون الثقافي والأدبي؟ وكيف استفادت منه في عالم الكتابة؟ تقول: "السفر يلهمني ويغيرني، ويجعلني أعيد تقييم ما حولي في كل مرة، فالتجارب التي نعيشها في السفر، والأماكن التي نزورها تقوي إحساسنا بالجمال والفن والحياة وحب التنوع وتقبل الاختلافات. أحرص في كل مرة أزور فيها بلدًا أن ألتقط عدة أشياء من ثقافة ذلك البلد سواء على شكل صور فوتوغرافية أو كتاب أو قرص موسيقي، أحرص على زيارة الأماكن التاريخية والطبيعية والمتاحف إن أمكن. هناك الكثير من الأفكار التي استوحيتها من السفر والتي لم أجد بعد الوقت الكافي لاستثمارها بشكل منظم في الكتابة. ومع ذلك جربت كتابة ونشر عدد من المقالات في أدب الرحلات".
إلى أي حد تعكس الكتابة بأنواعها وفنونها المتنوعة شخصية الأستاذة أمامة اللواتي؟ تجيب عن هذا السؤال بالقول: "المجالات التي أكتب بها تعكس اهتماماتي وأفكاري بالدرجة الأولى. حين أكتب علي أن أكون مقتنعة بما كتبته، وهناك عدد من المجالات التي لم أرغب الكتابة فيها لأني وجدت نفسي لا أستطيع أن أعطي فيها من أفكاري ومشاعري بالصدق الكافي. أحب الفنون والموسيقى والأدب وأحب القراءات الجادة في الثقافة والفكر والسياسة، وفي أغلب الأوقات قد يشتت هذا من تركيزي على التخصص في مجال محدد لكني سعيدة بهذا التشتت."
تقول اللواتي في إحدى مقابلاتها بأنها إذا أرادت إصدار ديوان شعري سيكون إصدارًا إلكترونيًّا أما بالنسبة لقصص الأطفال فسيكون الإصدار ورقيًّا. لماذا؟: "أعتقد وقد أكون مخطئة أن الناس لا يقرأون الشعر إلا لشخصيات معروفة يحبون متابعتها، أكتب الشعر من فترة لأخرى، لكن لا أعتقد أن ذلك كافٍ ليجعل الناس يقبلون على شراء الديوان الشعري، وبالتالي فقد شعرت أنه من الأنسب أن يكون الكترونيًّا فيصبح سهلًا على الناس الوصول إليه وقراءته وهذا هو هدفي بالأساس أن أشجع القارئ على قراءة الديوان رغم أني شخصيًّا لا أحب القراءة الإلكترونية. أما قصص الأطفال فلها سوقها ومعاييرها الخاصة، إلى جانب أني لست من مؤيدي الكتاب الإلكتروني بالنسبة للطفل، بل أرى أن الطفل يجب أن لا يفقد متعة تصفح الكتاب وملامسة لوحاته والاستمتاع بتقليب الصفحات، وحمل الكتاب معه بين أركان المنزل."
بالانتقال إلى الشعر، أي نوع من الشعر تكتب أمامة اللواتي ولمن؟ تقول: "أكتب الشعر الحر، وهي في الغالب نصوص قصيرة تعبر عن لحظات وأحاسيس معينة. نشرت مجموعة شعرية واحدة قبل عدة سنوات تحت عنوان (راحلٌ برفقة الملائكة)، وأنشر قصاصات منوعة في حسابي على الفيسبوك". وما بين أدب الأطفال والكتابة والشعر والتعليم والإعلام أين تجد نفسها أكثر؟ تجيب: "دائمًا أتوقف للتفكير في هذا السؤال في كل مرة أتلقاه لعلني أصل إلى إجابة مختلفة. ولكني بصدق أترك نفسي للوقت والفكرة والمزاج. ما قادني إلى الإعلام هو حبي للكتابة والمعرفة، وما قادني للشعر حبي للفنون، وما قادني للكتابة للأطفال هو لحظة الإلهام من حكايات أبنائي، وما زلت أعيش كل هذه الأوقات بشكل متوازٍ، فلا أنا أقدر أن أفصل نفسي عن إحداها ولا أقدر أن أهب نفسي كلية لإحداها أيضًا."

تقدم لنا الأستاذة أمامة اللواتي صورة عن حال المرأة العُمانية، التي استطاعت أن تحجز لها مكانة على الصعد الأدبية والفكرية والعلمية، فماذا عن المرأة العربية؟ ترى بأن: "المرأة العُمانية إمراه أصيلة ومثابرة، والمناخ العام الذي نعيش فيه في عُمان جعلنا قادرين على الانفتاح وتلقي العالم ببساطة وإخلاص. هناك الكثير من النساء العمانيات غير المعروفات ربما إعلاميًّا لكنهن نساء متواضعات، يقدمن لمجتمعهن ما يقدرن عليه من حب وعطاء. ربما ينقصنا التعريف بهن عربيًّا والترويج لهن، وأعتقد أن المرأة العربية بشكل عام امرأة معطاءة ودافئة، ولكنها أصبحت ضحية لكثير من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلدان العربية".

أما عن طموحها، فهل له من سقف محدد؟ تجيب: "أؤمن بأن الحديث عن الطموحات يجعلها تتأخر.. ولا سقف للطموح، لكن الرضا هو غاية القلب والُمنى". وحول مشاريعها الحالية والمستقبلية تقول: "يصدر لي حاليًّا كتاب بعنوان (قطب المعشوقين: (رسائل إلى جلال الدين الرومي) عن دار سؤال، بيروت، وقصة (الفيل والمهندس نعمان) للأطفال عن دار أصالة بيروت، و(سر الأسئلة الغريبة) للأطفال عن بيت الزبير، سلطنة عُمان. ومؤخرًا دخلت في تجربة التسجيل الإذاعي للكتب المسموعة وهي تجربة أتطلع إلى تكرارها بشوق كبير وربما بشكل أكثر تركيزًا في المستقبل."
وبكلمة أخيرة لمن يرغب بدخول عالم الكتابة تقول الكاتبة أمامة اللواتي: "أن نقرأ، ونحلل ونناقش ما نقرأ. فلا يكفي أن نقرأ فقط ولا ينعكس ذلك على حياتنا وطريقة عيشنا، يجب أن تكون لنا رؤية خاصة في الحياة من حولنا، أن نكتب بوعي وصدق. وأخيرًا سأقول ما أحاول أن أفعله بشكل صحيح قدر الإمكان: الكتابة بلغة سليمة وأفكار واضحة ولغة سلسلة."