أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

المأتم الحسيني : توصيف عام للمآتم النسائية في سور اللواتيا





مقدمة:

هذه الورقة ليست ورقة نقدية للممارسات والشعائر الحسينية أو للمهام التي يقوم بها المأتم الحسيني قدر ما هي ورقة توصيفية تتطرق الى الجانب الوصفي الشكلي للمأتم الحسيني، وتعريفه، والأدوار التي يقوم بها حاليا وما يمثله بالنسبة لأفراد المجتمع ، بالاضافة إلى ذكر أهم المآتم الحسينية النسائية المتواجدة في سور اللواتيا. ولعل البحث عن نشأة وتاريخ بناء هذه المآتم ومسمياتها قد يصبح قيّما في مرحلة لاحقة للورقة الحالية. والمآتم التي سأتطرق إلى وصفها هنا تقتصر على المآتم النسائية داخل سور اللواتية ، أو تلك المآتم المشتركة التي يستخدمها الرجال في أوقات محددة والتي يسمح للنساء باستخدامها أيضا في أوقات و مناسبات أخرى.

أيضا أطمح من هذه الورقة إلى تلقي ملاحظاتكم وتعليقاتكم ومعلوماتكم القيّمة حول أي محور من المحاور المطروحة، ولا أدّعي ان المعلومات المسجلة هنا صحيحة جميعها، بل هي تمثل ملاحظاتي الخاصة والهدف منها هو توثيق هذه المعلومات قبل أن يطويها النسيان وقبل أن يطوينا الزمن. كما يجب التنويه أني لست معنية هنا بالجانب النقدي ( سلبا كان أم ايجابا)، بل الهدف بالدرجة الأولى توثيق هذه المعلومات التي تشكل جانبا مهما من تراثنا وعاداتنا داخل المجتمع العماني، وقد تكون هذه المعلومات غير معروفة لغير ابناء المجتمع وأعتقد انها يمكن أن تشكل إضافة قيمة للجوانب التطوعية والاجتماعية وطريقة إدارتها داخل المجتمع وأعتقد أنها واحدة من التجارب التي يمكن الاستفادة منها. أرجوا من الأخوة ابداء ملاحظاتهم وتصحيح المعلومات هنا أو إضافة ما يعتقدونه مهما من الجوانب التاريخية، وأعتقد أن العديد من الأخوة يملكون الكثير من المعلومات الرائعة بحكم خبراتهم واطّلاعهم.

الشكل العام للمأتم الحسيني:

المأتم أو الحُسينية -كما يطلق عليه في بعض الدول العربية- عبارة عن قاعات واسعة أو غرف تتفاوت في أحجامها، فقد تكون قاعة مستقلة تسمى بأسم عام مثل المأتم الكبير والمأتم الصغير، والدخول والخروج إليها في هذه الحالة يكون فقط لمن يرتادون المأتم، وقد تكون عبارة عن غرفة في منزل من المنازل السكنية داخل سور اللواتيا، تم تخصيصها وتحويلها الى مأتم، وبالتالي يلحق أسم المأتم بصاحب المنزل ، وقد يلتحق اسم المأتم باسم الخطيبة التي تقوم بالقراءة فيه ، وقد يكون أصحاب الدار يسكنون الغرف الأخرى في المنزل ويتخذونها كسكن دائم أو سكن مؤقت. إلى جانب أن بعض المنازل تم  دمجها لاحقا لتصبح قاعة واحدة او غرفة واحدة واسعة وتخصيصها بأسم المأتم الحسيني. 

في وسط المأتم أو في مكان مناسب يعتبر صدارة الغرفة أو القاعة  يوضع المنبر الذي يتم الجلوس عليه عبر ارتقاء درجات قليلة ، حيث تقوم الخطيبة بالقاء المحاضرة الدينية عليه. يتم تزيين المنبر ـ وهذا الغالب في المآتم النسائية ـ بكمية من الورود خاصة الياسمين وبعض المصوغات الذهبية التي تكون بأشكال محددة لا تخلو من رمزية، حيث تشير إلى شخصيات و أحداث وقصص وقعت في كربلاء. يتم تزيين المنبر أيضا بأقمشة مزركشة بهية الالوان في الأيام العادية أو المناسبات السعيدة ، وتغطيته بقماش من المخمل الأسود في المناسبات الحزينة. تُزين جدران المأتم بلوحات قماشية متفاوتة الحجم  تسمى (بوش) للمفرد و (بوشا) للجمع ، تحمل عبارات مختلفة كالصلاة على النبي وأهل بيته أو بعض الآيات الكريمة أو المأثورات، كما قد تحمل أسماء أهل البيت عليهم السلام. ويتم صناعة هذه اللوحات القماشية والكتابة عليها باللغة العربية بأسلوب الخياطة أو التطريز بألوان واضحة وزاهية في الهند. بعض اللوحات مخصصة مثلا لبطل كربلاء أبو الفضل العباس، أو لشخصيات كربلاء الأخرى، إلى جانب اللوحات القماشية المصنوعة من المخمل والتي قد تحمل سور المعوذات وبعض العبارات التراثية المعروفة  كعبارة (لا فتي الا علي لا سيف الا ذو الفقار). المآتم كلها تحتوي على ملحق صغير أو مطبخ صغير لخدمة زوار المأتم حيث يتم إعداد الشاي أو القهوة أو العصير أو إعداد ما يسمى ب (الفاتحة) وتكون عبارة عن فواكة أو وجبات خفيفة يتم توزيعها على الزوار وتختلف التوزيعات حسب المناسبات التي تقام من أجلها.

تفرش أرضية المآتم بالسجادات وتتوزع المساند والمخدات الصغيرة على الجوانب والجدران، وقد كانت الجلسة أرضية حتى عهد قريب الا انه تم ادخال الجلسة المرتفعة على الطريقة العربية بحيث تكون بامتداد جدران المأتم كلها او ثلاث جدران تقريبا، وبالتالي فان من لا يرغب الجلوس على الارض يمكنه من الجلوس على الدوشك العربي المرتفع.

استخدامات المآتم الحسينية:

يمثل المأتم مكانا عاما يجتمع فيه الناس لأحياء مناسبات محددة في أغلب الأحيان، إلا أنها ايضا تشكل مكانا للتعارف الاجتماعي وتبادل الأخبار والاطمئنان على افراد المجتمع من الأحبة والأصدقاء. ويجب الإشارة الى ان المآتم في سور اللواتيا جميعها منفصلة، أي أن للنساء مآتمهم الخاصة التي لا يجوز للرجال التواجد فيها، كما لا يحبذ وجود الصبيان فيها. وبعض المآتم الكبيرة (مثل المأتم الكبير والمأتم الصغير) يستخدم من قبل النساء والرجال ولكن في أوقات منفصلة بمعنى أنه لا يمكن تواجد الجنسين في نفس القاعة أو المأتم، بل يجري استخدام هذين المأتمين مثلا حسب جدول محدد مسبقا. أيضا مما يُحسب للمأتم الحسيني في سور اللواتيا، هو الاستخدام المفصّل للمأتم الكبير الذي يتكون من طابقين، كل طابق عبارة عن قاعة هي الأوسع في سور اللواتيا، وفي خلال شهر رمضان ومحرم وصفر يتم تخصيص الطابق الثاني للأمهات والأطفال، وتخصيص القاعة في الطابق الأول للنساء اللاتي يرغبن في الاستماع الى المحاضرة في جو من الهدوء . وتوجد لجان من النساء المتطوعات هدفهن الأشراف على المآتم من النواحي التنظيمية.

تُستخدم المآتم الحسينية في ما يلي:
١- الاحتفال بمناسبات دينية محددة هي كالتالي : ( ذكرى ولادة أو استشهاد أهل البيت عليهم السلام، والمولد النبوي، ومناسبة الغدير و ذكرى الأسراء والمعراج، والمحاضرات الدينية في شهر رمضان الكريم، وذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته في شهري محرم وصفر).
٢- القيام بواجب العزاء تجاه المتوفين من أهالي المجتمع. حيث يجتمع أهل العزاء في مأتم محدد ( غالبا الأكثر اتساعا) وذلك لتلقي العزاء في فقيدهم/ فقيدتهم.
٣- حلقات الذكر وتلاوة وحفظ القرآن الكريم في شهر رمضان.
 ٤- المحاضرات الفقهية والعقائدية ودراسة السيرة المحمدية اسبوعيا للمراحل العمرية المختلفة.
٥- قديما كانت المآتم ايضا تستخدم لحفلات الزواج أوالخطوبة أو حفلة عرض هدايا العروس والتي تكون في صباح العرس وتسمى (بيروني).


طاقم العمل والاشراف في المأتم:


يعتمد طاقم العمل والأشراف على المتطوعات بشكل كامل ، فحين تقوم مجموعة من النساء بالاتفاق معا، لاقامة الذكر الحسيني فإن الهدف بالدرجة الأولى يكون هو الثواب، وجعل ذكر أهل البيت ذكرا مستمرا، ويبدأ غالبا مع وجود سيدة ترغب في تخصيص منزلها أو غرفة بالمنزل لذكر أهل البيت، فقديما وما يزال المجتمع يشعر بالبركة بوجود ذكر دائم لأهل البيت عليهم السلام في المنزل. ومن ثم يتم الاتفاق مع الخطيبة التي يقع عليها االاختيار لالقاء المحاضرة أو (القراية ).

المُلاَّية أو المُلياني (الخطيبة): وهي السيدة التي تقوم بقراءة الرثاء أو النعي و المحاضرة، ويخصص لها صدر المجلس للجلوس كنوع من التشريف والتكريم. دور الملياني كان يعتبر مهنة لدى الكثيرات وهي مهنة تشريف بالنسبة لهن بالدرجة الأولى وبالتالي كان يتم تكريمهن بمنحهن مبلغ رمزي للتعبير عن الشكر والامتنان، ويرجع الأمر الى الملياني نفسها في قبول هذا المبلغ الرمزي الذي كان يشكل مصدر دخل لبعض النساء قديما، او ان الخطيبة تقوم بدورها بشكل تطوعي اذا لم تكن في حاجة مادية الى المبلغ . قد تخصص الخطيبة وقتها للقراءة في مأتم محدد وبالتالي قد يرتبط اسمها باسم المأتم الذي تقرأ فيه، وقد تقرأ ايضا في أكثر من مأتم، فمثلا يمكنها ان تقرأ في مأتم محدد الفترة الصباحية، وفي مأتم آخر في الفترة المسائية.

الباني: ويقصد بها السيدة المشرفة على المأتم وقد تكون صاحبة المكان أو من تملك المأتم، أو تكون فقط مشرفة على المأتم. وهي تقوم بالاشراف العام على المأتم وتوزيع المهام الأخرى على السيدات الاخريات. تجلس الباني ايضا في صدر المجلس ، غالبا الى يمين الملاية او يسارها وتجلس قارئة القصائد ايضا في المقدمة بالقرب من المنبر.

ذاكر:  والجمع (ذاكرو) والمقصود بهم النساء الذين يداومون على الالتزام بمأتم محدد، فهناك نوع من الولاء الذي يقوم بين المأتم وأصحابه والمداومين على الحضور اليه بصفة دائمة، وهؤلاء تكون لهم مكانة مميزة كونهم من الدائمي الحضور والدعم للمأتم سواء بالتواجد والمشاركة في فعاليات المأتم أو بالتبرعات المالية. أيضا بسبب حضورهم الدائم فهم غالبا يجلسون في أماكن محددة، ولذلك يفضل الزوار الآخرون كنوع من الاحترام لهم على عدم الجلوس في أماكنهم التي تصبح معروفة وربما شبه محجوزة لهم مع مرور الزمن .

الموزعة (تشريفا يقال لها خادمة الامام الحسين): والتي تقوم بتوزيع القهوة والشاي والفاتحة وخدمة الزوار، وتتميز بمكانتها حيث تتنافس السيدات على خدمة المأتم الحسيني وقد تقوم بالخدمة امرأة واحدة أو اكثر، حيث تُخصَص واحدة أو أكثر لتوزيع القهوة والشاي، وتخصص سيدة أخرى لتوزيع الفاتحة سواء اثناء جلوس السيدات او عند انصرافهن حيث تقف على باب الخروج وبيدها سله او وعاء تحتوى على الفاتحة. ويعتمد عدد من يتطوعن لخدمة المأتم على حجم المأتم من ناحية مساحته وعدد المرتادين عليه.

قارائات القصائد : وهن يتمتع بصوت واضح وقوي وليس بالضرورة صوت جميل ويقمن بقراءة  القصائد الشعرية بصوت مُلحن، فإذا كانت المناسبة حزينة تسمى هذه القصائد بالنوحيات أو اللطميات، وإن كانت مناسبة سعيدة تسمى بالجلوات، وتُلقى قبل المحاضرة الاساسية للخطيبة وفي بعض الحالات بعد الانتهاء من المحاضرة التي تُلقى على المنبر.


آداب الجلوس والسلوك في المأتم:

يتميز المأتم الحسيني بتنظيمه الشديد فيما يتعلق بطريقة جلوس الزائرات وتوزيع مهام العمل فيه. ومن ناحية الجلوس فالحقيقة رغم رؤيتي لقاعات ومآتم الشيعة في بلدان أخرى الا ان مآتم النساء اللواتيا هي الأكثر تنظيما. فإذا كانت السيدة تحب الجلوس في صدر المجلس فعليها الجلوس بطريقة معينة، إما أن تستند إلى واجهة المنبر أو جوانبه أو جدران المأتم. وإذا كانت تحب الجلوس في الوسط من غير الاستناد الى الجدار فإن على الجالسين مقابل المنبر الحسيني الجلوس بمواجهة المنبر ، أما الجالسات الى الجانب الايمن والايسر من المنبر فعليهم الجلوس متقابلين بحيث يتوسطم أو يفصلهم المجموعة التي تجلس في النصف باتجاه المنبر. يتم الجلوس بهذه الطريقة في أغلب المآتم في ربع المساحة التي تشمل وتحيط بالمنبر، فيما يتم الجلوس في خطوط مستقيمة قدر الامكان في الخطوط التي تليها بحيث تجلس كل سيدة الى جوار الأخرى، باتجاه المنبر ومواجهة له، حيث يسهل النظر الى الخطيبة ومتابعتها أثناء القاء المحاضرة. وفي بعض الحالات قد ترتبك هذه الخطوط المستقيمة حينما يكون الازدحام شديدا ولكن بشكل عام يعتبر من غير المناسب الجلوس بشكل عشوائي، وغالبا ما تقوم إحدى السيدات بارشاد الزائرة الجديدة أو التي لم يسبق لها الحضور للمأتم - خاصة في ايام العزاء - الى الجلوس بالطريقة الصحيحة. أيضا من آداب الجلوس الاخرى هو أن تقدم المرأة الاصغر سنا مكانها - خاصة الاماكن التي يستند فيها الى الجدار- الى سيدة أكبر عمرا أو الحامل .

من غير اللائق تبادل الاحاديث الكثيرة او رفع الصوت بالكلام في المآتم مع الجالسات الى جوارك، ولكن في المناسبات السعيدة يتم التخفيف من هذا الوضع وتبادل الاحاديث الباسمة. ايضا ليس من اللائق التحدث في الهاتف النقال. أيضا ليس من اللائق التسرع في طلب الفاتحة او الشاي او القهوة بل عليك انتظار دورك حتي تنتهى السيدة الموزعة من تقديم الصينية الى الضيف الذي يجلس قبلك والانتظار حتى تقدم لك الصينية بشكل شخصي. 

متى يُعقد المأتم الحسيني؟

يعقد المأتم الحسيني بشكل ثابت أسبوعيا عصر كل يوم خميس ، أو عصر كل اثنين و خميس بالنسبة للنساء،  وبعض المآتم تعقد بشكل يومي على الفترة الصباحية بحيث تنتهي قبل صلاة الظهر، أو في الفترة المسائية على أن تنتهي قبل صلاة المغرب . وقديما وحتى الآن تخلو المنازل و السكك المجاورة للمأتم في هذه الفترة من الرجال، الذين كانوا يتوجهون لتجمعاتهم خارج السور، أو ينصرفون لشئونهم الأخرى. حيث يعقد الرجال محاضراتهم في الفترة المسائية بعد صلاة العشاء يومي الاثنين والخميس، ويتغير هذا البرنامج في شهور رمضان ومحرم وصفر. كما يعقد المأتم في حالات ذكرى ولادة او استشهاد أهل البيت عليهم السلام، والاحتفال بالمولد النبوي وذكرى الاسراء والمعراج ومناسبة الغدير. الى جانب ان المأتم يتم استخدامه لتلقي العزاء في المتوفين من أهالي المجتمع .

مواضيع المآتم الحسينية:

أُنشأ المآتم الحسيني بشكل أساسي لاقامة مجلس عزاء لوفاة الامام الحسين بحيث يتم تلاوة مصرع الامام الحسين وما جرى عليه في واقعة كربلاء وما جرى عليه من أحداث وقعت في شهر محرم، ومن ثم ذكرى عودة نساء الحسين الى زيارته في كربلاء في شهر صفر. تطورت بعد ذلك الاحداث التي يتم الاحتفاء بها الى ذكرى مواليد واستشهاد أهل البيت عليهم السلام، حيث يتم التطرق الى ذكرهم وسيرتهم واستخلاص بعض العبر والنصائح الدينية من تاريخهم. ايضا يتم استخدام المأتم كمكان لالقاء المحاضرات الدينية في شهر رمضان وما يتصل بأمور العبادة والفقه والتاريخ والفلسفة والسيرة والعقائد الاسلامية. ويُستخدم ايضا لتوعية الجيل الناشىء بشكل اسبوعي يبدا مع بداية العام الدراسي لتعليم الاطفال في جميع مراحلهم الدراسية وبشكل منفصل للذكور عن الاناث ما يتصل بتفسير القرآن والتاريخ والفقه والسيرة، كما يتم استخدامه في شهر رمضان كجلسات لتدبر القران وتلاوته وحفظة حيث يتم اجراء تقييم وعقد مسابقات يتم في النهاية تكريم المتفوقين في حفلة بسيطة يتم عقدها في المأتم.



النظافة:

النظافة عامل مهم جدا في المأتم، ومن النادر جدا ان تدخل مأتم من ماتم السور وتجده غير مرتب او مليئ بالمناديل الورقية او بقايا الاوراق او شي ملقى هنا وهناك، حيث تطور الوعي بذلك كثيرا واصبحت القائمات على المأتم يحرصن على تمرير اكياس للنفايات قبل خروج الجميع من المأتم. ويتم تخصيص عاملة غالبا تكون عاملة الباني او احد المشرفات للقيام بتنظيف المآتم بعد كل مرة ينتهي فيها المجلس الحسيني، كما ان اغلب الماتم ان لم يكن جلّها مزودة بدورة مياه نظيفة.


استخدام المآتم في العزاء للميت ( المتوفين من أهالي المجتمع):
التجمع في المأتم لتلقي العزاء يكون للحضور من النساء فقط، واذا كان تلقي العزاء للميت مقام في سور اللواتيا فإنه يكون في مأتم خيجا بسبب مساحته المناسبة وربما قد تكون هناك أسباب أخرى تجهلها الكاتبة. بالنسبة للرجال  فإنهم يقومون بتلقي العزاء في المساجد. ويبدو أن العرف في تلقي عزاد المفقودين من الأهل في المأتم بدلا من المنزل سببه أن الاهالي قديما حين كان أغلبهم مقيما في سور اللواتيا، كان يسهل عليهم التجمع لتقديم واجب العزاء في نفس منطقتهم إلى جانب أن المنازل صغيرة ولا تتسع لاستقبال المعزين وخدمتهم، وبالتالي فإن التجمع كان يتم في أوسع مكان داخل السور وهو في هذه الحالة المأتم . مع ملاحظة أن هناك مسجد قديم للنساء في السور باسم مسجد السيدة خديجة بنت خويلد والذي كان قبل سنوات طويلة جدا مسجدا للرجال ثم تم تخصيصه للنساء. أيضا للنساء نصيبٌ من المسجد الأحدث وهو مسجد الرسول الأعظم المطل على الكورنيش حيث ان الطابق الثاني منه مخصص للنساء فقط وله مدخل منفصل.

يقوم أهل المتوفى بالحضور الى المأتم والجلوس فيه بطريقةٍ وتنظيمٍ معين، هدفه الأول التسيهل على الزائرات معرفة أهل العزاء وأقارب المتوفى وبالتالي التوجه اليهم مباشرة للسلام والتعزية. يتم تخصيص ثلاث أيام لتلقى العزاء في الميت في الفترتين الصباحية والمسائية لليومين الاولين والفترة الصباحية فقط لليوم الثالث حيث يطلق عليه يوم (القيام) أي اليوم الذي ينتهي فيه اهل المتوفى من تلقي العزاء في المأتم. يقوم أقارب المتوفي بالجلوس مستندين الى الجدار حيث يشكلون حرف  L مقلوبة، وتجلس النساء بطريقة معينة ابتداء بالسيدة الاقرب الى المتوفى ، حيث يصبح موقعها في هذه الحالة في الزاوية تماما ، حسب الترتيب التالي (الام، الزوجة، الابنة ) وثم البقية حسب الاقرب. ويجلس الاقرب في الجانب الايسر من القاعة، في حين يجلس الاقل قرابة بشكل مواجه للداخل الى المأتم .

يتم توزيع مصاحف مجزأة من القرآن على الحاضرين، حيث توضع المصاحف المجزأة على طاولة مقابل اهل العزاء، وتصطف عليها الي جانب الاجزاء التي تم الانتهاء منها، والاجزاء الاخرى التي لم تقرأ بعد ويتم توزيعها على الداخلين بهدف ختم القرآن عدة مرات واهداء ثواب الختمة الى المتوفى والدعاء له.

 العرف السائد قديما كان يرى من غير اللائق حضور غير المتزوجة لمجلس العزاء حيث كان الحضور يقتصر على المتزوجات باستثناء اذا كانت السيدة الغير المتزوجة هي من أهل العزاء، ايضا ليس من الشائع حضور الاطفال الى مجلس التعزية للميت، ويمكن حضورهم في سوى ذلك من الحالات. ويبدو ان هذا العرف تم سنّه بسبب نقص المآتم قديما وعدم وجود اماكن كافية لاستقبال جميع المعزين، فكان هذا الاستثناء الذي يقلل من الحضور، وقد يكون لهذا اسباب اجتماعية أخرى ايضا ربما يتم تحليلها لاحقا. في الوقت الحالي فإن هذا العرف لم يُعد بنفس الصرامة ويمكن لغير المتزوجات الحضور للتعزية بالميت.


 أهم آسماء المآتم في سور اللواتيا :

١- مأتم بيبي علوية
٢- مأتم هاجر وخديج (خديجة)
٣- مأتم خاتون
٤- مأتم خيجا
٥- المأتم الكبير
٦- المأتم الصغير
٧- مأتم فوزية باي
٨- مأتم نرجس شوانو
٩- مأتم فاطمة بدرو
١٠- مأتم صفو آسري (صفية)
١١- مأتم دولت
١٢- مأتم نزهت
١٣- مأتم بتول باني
١٥- مأتم صديقة محمد جواد
١٦ مأتم أم البنين أو مأتم الاطفال
١٧- مأتم رقية بنت الحسين
١٩- مأتم نجاة
٢٠- مأتم حبّاب

المرأة والخطابة :

تستحق القارئات في المآتم الحسينية (الخطيبات وقارئات القصائد) أن تُوثق سيرتهن وأن تُذكر أسمائهن ، فالزمن الذي كنّ يقمن فيه بالقراءة على المنبر الحسيني لم يكن زمن يجيد فيه الجميع القراءة والكتابة ولم يكن العرف آنذاك يعتبر التعليم ضرورة للمرأة، ولذلك فإنه من الغريب حقا وجود مجموعة كبيرة من النساء اللواتي كن يستطعن القراءة سواء من الخطيبات أو قارئات القصائد الحسينية. والفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى الى كتاتيب تعليم القرآن الكريم ، حيث ينبغي هنا مثلا الاشارة الى دور ملياني مريم رحمها الله والتي كانت تملك كتّابا لتعليم القرآن الكريم خارج سور اللواتيا. الى جانب سفر الكثيرات الى العراق لزيارة مراقد أهل البيت عليهم السلام ومكوثهم هناك لفترات طويلة كانت تمكنهم من تعليم احكام الدين من العلماء في كربلاء والنجف.
 ورغم ذلك فقد كنّ هؤلاء النسوة من الخطيبات وقارئات القصائد الحسينية يقرأن من الكتب الدينية المتعددة المتوفرة لديهن مع التركيز على سيرة أهل البيت بشكل خاص، كما أن قارئات القصائد كن يقمن بنسخ القصائد من بعضهن أو من الكتب المتوفرة بخط ايديهن ، ويبدو لي ذلك شيئا مدهشا أن تجيد هؤلاء النسوة القراءة والكتابة فالفترة التي تواجدن فيها تعود إلى ما قبل فترة السبعينات، وهي الفترة التي لم يكن من الممكن قبلها تلقي التعليم الرسمي للمرأة في المجتمع العماني .

أسماء القارئات الحسينيات (الخطيبات أو الملياني فقط) من المتوفيات :
 بيبي علوية رحمها الله
ملياني خيجا رحمها الله
ملياني شيرين محمود (شيري) رحمها الله
ملياني فاطمة عزوز رحمها الله( لم تكن تبصر بل تحفظ كل ما كانت تقرأه على المنبر عن ظهر قلب)
 ملياني ندى محسن رحمها الله (من الجيل الجديد والتي رحلت في سن مبكرة)
ملياني فاطمة (فتّو) رحمها الله
المرحومة ملياني نرجس ( أم هناء)


ملاحظة: هناك قائمة أخرى تضم القارئات الجديدات حفظهن الله ولكن فضلت عدم وضعها هنا قبل استطلاع اذا كنّ لا يمانعن في ذلك.

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

نوح والطوفان



كيف يمكن وصف هذا الفيلم الامريكي الجديد عن النبي نوح عليه السلام وقصة الطوفان ؟ ببساطة لا أجد إلا كلمتيّ مادي وروحي لوصف ما يتميز به هذا الفيلم وما يفتقده حقا. بعيدا عن الجانب الشكلي الذي اتصفت به ازياء شخصيات القصة والتي قاربت ازياء المشردين في العصر الحديث ، فإن الفيلم يفرغ شخصية النبي نوح من أي جانب روحي إلهي، ويقدمه كشخص اختاره الله واعطاه بعض القدرات حتى يقوم بمهمة مادية بحتة نيابة عن الله سبحانه وتعالى. وهذه الفكرة ليست غريبة عن التراث الغربي المادي الذي لم يترك كتابا تاريخيا او دينيا لم يعتمد عليه كمرجع في حياكة افلامه لكنه يتعمد استبعاد القرآن الكريم رغم كل ما يملكه القرآن من استعداد لغوي وحسي وروحي لتقديم قصص وملاحم تاريخية ثرية. وهذا التغافل عن أحد مصادر التاريخ المهمة يوقع الكثير من افلام الانبياء التي تنتجها السينما الامريكية في مطب المادية وتجاوز الحقائق بل وربما تشويهها. 

لم يكن النبي نوح في الفيلم الامريكي سوى شخص يحاول ان ينفذ مهمة مادية محدودة بحذافيرها وهي بناء السفينة وانقاذ الحيوانات على الارض دون البشر ، لان البشر لا يستحقون النجاة بسبب ارتكابهم لجرم اكل اللحم الحيواني ! وبهذا يظهر نوح وعائلته كنباتيين وضد فكرة اكل الحيوانات ولهذا توجب انقاذ هـذه الحيوانات. أين البشر في هـذه القصة العجيبة ولماذا لم تكن لنوح أهدافا سامية بانقاذ البشر وتحريرهم من شهواتهم الاخرى؟ لماذا تم اقتصار الاثم البشري على تناول اللحم الحيواني وتم التغافل عن اساس رسالة النبي نوح وهي الدعوة الى التوحيد؟ هل لأن الدعوة الى التوحيد هي رسالة روحية غير مادية بالدرجة الاولى ؟ هل لأن النبي ليس فقط شخصا تم اختياره ليقوم بمهمة ارضية مادية جسدية كبناء السفينة ولكن لأنه شخصية قاربت الكمال ومهيئة لاستقبال الفيض الالهي ومهيئة لهداية واصلاح البشرية؟

وكعادة أفلام الانبياء الامريكية فإن سمات النبي الشخصية والقيادية لا تتميز بذلك الاستقرار النفسي والثقة الربانية التي تظهر بها شخصيات الانبياء في السينما الايرانية على سبيل المثال. ورغم اختلافنا او اتفاقنا حول فكرة تجسيد الانبياء فإن السينما الايرانية بارعة في تقديم شخصيات الانبياء واظهارهم كشخصيات قيادية تملك من العزم والثقة في نفسها وربها ما يجعلها مستقرة داخليا، قادرة على اتخاذ قراراتها ولا تتعرض لهزات تؤدي بها الى ارتكاب المحرمات. وفي الفيلم الامريكي نجد ان نوح يعيش حالة من الارتباك النفسي عند استقرار الطود ويبدأ بالشعور انه اخفق في انجاز مهمته واخفق في تحقيق امنيات عائلته فيعتزلهم ليسكر وليستلقي عاريا دون ادراك من فرط شربه. ليست المشكلة هنا في مقاربة الخمر التي لا ادري حقا هل كانت مذمومة ام لا في تلك الفترة التاريخية وانما هي صورة النبي المحبط الفاقد لنفسه وادراكه وعزيمته. هي الصورة التي تشعرك بالرثاء على هذا النبي. نعم قد يقول البعض وهل النبي الا بشري في نهاية الامر؟ بالفعل وربما اجمل حالة توضح بشرية النبي  وربما ارتباكه اللحظي، وتدفعك الى التعاطف معه بكل حواسك هو مشهد من الفيلم الايراني السيدة مريم ، حين دخل النبي زكريا على السيدة مريم ووجد عندها رزقا و تسائل بدهشة عن مصدر هذا الرزق، وادرك في الحال ما فطنت اليه  مسبقا مريم البتول وهو ان يسأل الله ان يهبه ما يريد ! وهكذا دخل زكريا المحراب وبجوارحك ولهفتك على هـذا النبي تدخل معه المحراب باكيا وتتابعه بكل روحانية وهو يسأل الله ما غفل ان يسآله طوال عمره الذي مضى وهو ان يهبه ولدا من بعده. هذه الصورة الرائعة تظهر النبي زكريا قويا رغم ضعفه، واثقا رغم دهشته، سامياً رغم مطامحه البشرية.


المشكلة الاخيرة التي لا تفتأ تطارد السينما الامريكية التي تحاول محاكاة عصور أخرى لا تقاربها تاريخيا هو عدم قدرتها على التجرد من سياقها الاجتماعي والثقافي والخطابي، وربما يكون ذلك اصعب التحديات التي يواجهها كتاب السيناريو. فأسلوب التخاطب والتعابير التي يتم استخدامها، بل بعض الممارسات الاجتماعية كتقديم القهوة مثلا والتي ظهرت في الفيلم مماثلة للسياق الغربي الحديث ولا تعبر عن فترة تاريخية تعود الى الآف السنين حيث عاش الناس وتواصلو وتحدثو باسلوب يختلف عن التواصل البشري اليوم.

كلنا قرود



تسببت عنصرية أحد المشجعين في ملعب رياضي في جلب الشهرة لفاكهة جميلة ولذيذة وغنية بالبوتاسيوم هي فاكهة الموز . ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ انطلقت حملة عالمية ضد العنصرية بعنوان (كلنا قرود) تتخذ من الموز شعارا لها. وتبدأ القصة في مباراة جمعت مؤخرا بين فريق برشلونة وفياريال على الملاعب الاسبانية، حيث قام أحد جماهير فياريال بالقاء موزة على اللاعب البرشلوني الأسمر داني ألفيس وهو تصرف وقح يهدف إلى مقارنة اللاعب بالقرود. الجميل في الأمر هو رد اللاعب نفسه الذي كان فريقة متأخرا حتى تلك اللحظة، ولكنه تناول الموزة الملقاة على الأرض بكل بساطة وقام بالتهامها كاملة قبل ان يكمل ضربته الركنية.

ويبدو ان تلك الموزة العنصرية كانت بحق موزة الحظ التي أُلقيت على داني ألفيس حيث تسببت كراته العرضية في تسجيل هدفي برشلونة الاول و الثاني قبل ان يسجل ميسي هدف الفوز الثالث. ويستحق الموز بذلك ان ينال شيئا من المديح في تسببه بهذا الفوز ، فالمعروف ان الموز يساعد في تحفيز القدرة الدماغية لاحتوائه على البوتاسيوم كما انه يعتبر من الفواكه التي ينصح الرياضيين بتناولها ، خاصة وأنه يحتوي على ثلاثة سكريات طبيعية - سكروز وسكر الفواكه والجلوكوز، وهو ما يمنح الشخص دفعة كبيرة و وفورية من الطاقة. 

وبعد المباراة انطلقت حملة واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي تضامنا مع داني الفيس ضد العنصرية، بدأها البرازيلي نيمار زميل الفيس حيث وضع صورة شخصية له بصحبة أبنه وهو يأكل الموز على صفحته في أحد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعليق "فلتذهب العنصرية إلى الجحيم”. وقام العديدون بتقليده حيث نشروا صورهم مرفقة بموزة في هاشتاق اطلقوا عليه اسم “كلنا قرود”. ورغم ان هذه الحملة انطلقت بشكل عفوي وغير مقصود من اللاعب الفيس داني إلا أن الاهتمام الذي نالته من قبل المشاهير والسياسيين قد يدفع الى استثمار الفواكة والغذاء الصحي في حملات ذات أهداف اجتماعية واقتصادية أخرى وقد يكون من أهم فوائدها دعم الانتاج المحلي. 


وبما ان الشيء بالشيء يذكر فإن هناك دولا تعاني من ازمة موز خانقة بين فترة وأخرى، حيث أذكر جليا توقفي عن أكل الموز لم يقارب التسعة أشهر في عام 2006 حين تعرضت محافظة كوينزلاند الاسترالية لإعصار لاري الذي قضى على 70٪ من مزارع الموز الاسترالية مسببا ارتفاع سعر الكيلو الى ما يقارب 14$ دولارا استراليا، وهو رقم قياسي أدى إلى اختفاء الموز من الاسواق المحلية. وتكررت أزمة الموز مجددا في عام 2011، حيث تسبب اعصار آخر يحمل اسم ياسي بالقضاء على مناطق زراعة الموز التي توفر ثلاثة ارباع الطلب في استراليا. ولم يتمكن الاستراليون من اكل الموز مجددا لشهور طويلة بسبب معارضة المزارعين الاستراليين للموز المستورد خشية انتقال الآفات الزراعية الى محصولهم المحلي.


ما يمكن أن يوجز في مسألة العنصرية انها كريهة، ومحاربتها بالموز فكرة مغذية ولا بأس ان نتجه عالميا الى استخدام الفواكة والخضروات في حملات هادفة !!

الحروب القذرة


في كتابه المثير والمليء بالتفاصيل والمعلومات المسهبة يأخذنا الصحفي جيريمي سكاهيل في رحلة معقدة إلى داخل حروب سرية جديدة تقودها الولايات المتحدة بشكل اقليمي وعالمي وبأوامر مباشرة من البيت الأبيض للقيام بكل ما هو ضروري لملاحقة واعتقال أو قتل أفراد معينين تم تحديدهم كأعداء من قبل الرئيس الامريكي .
 يعمل في هذه الحروب السرية التي تدور حول العالم مجموعة من الجنود النخبة الذين ينتمون إلى جهات متعددة كالقوات البحرية SEALs (وهي قوات بحرية جوية برية خاصة)، وما يعرف بقوة دلتا (المختصة بمواجهة العمليات الارهابية) ومتعاقدين سابقين من شركة بلاك ووتر السيئة السمعة، وغيرها من الشركات الأمنية الخاصة. إلى جانب شعبة الأنشطة الخاصة لوكالة الاستخبارات المركزية و قيادة العمليات الخاصة المشتركة    ( JSOC ) ، مع الآلاف من القوات الخاصة السرية التي تعمل في أكثر من مائة دولة . يتم تمويل هذه العمليات عن طريق " ميزانيات سوداء" غير معلنه عنها، وتهدف إلى تنفيذ عمليات محددة في مناطق محرم دخولها رسميا، والانخراط في عمليات القتل المستهدف ، وخطف وانتزاع الأفراد وتوجيه الطائرات بدون طيار والضربات بصواريخ كروز . والمثير ان هذه العمليات توسع نطاقها في عهد الرئيس باراك أوباما ومنحت مزيدا من الشرعية.
يبدو الوصف السابق مشهدا متقنا من سيناريو فيلم هوليوودي يتعلق بالتجسس واعمال الاستخبارات ومجموعة من الاعمال الغامضة والقذرة التي تمت بسرية تامة دون معرفة الصحافة أو الكونجرس ولم تعرض من قبل في النقاش السياسي! ولكن الصحفي جيرمي بالفعل يأخذنا إلى حقائق وقصص حقيقية عن أبعاد السياسة الخارجية الامريكية ويستكشف أعماق آلة القتل الأمريكية العالمية التي لم تستثني حتى مواطنيها الامريكيين من عمليات الاغتيال، بدءا من أفغانستان إلى اليمن والصومال وخارجها. ويشرح جيرمي كيف تم إضفاء الجانب المؤسسي على سياسة الاغتيالات حتى أصبحت مكونا رئيسيا في سياسة الأمن القومي للولايات المتحدة .
ويرى جيرمي أن صناعة الولايات المتحدة لهذه النزاعات يهدد الاستقرار العالمي ، وهو ما يتفق معه كثير من المحللين إلا أن جيرمي يوضح لنا بشكل دقيق ومفصل كيف يتم ذلك عن طريق تحالف الولايات المتحدة "الميكيافيلي" مع امراء الحروب في اليمن والصومال وقوات الاحتلال في اثيوبيا، ثم يتساءل عن ضحايا هذه الحروب السرية من الغارات الليلية والسجون السرية وهجمات صواريخ كروز واستهداف فئات كاملة من الناس تم تصنيفهم على انهم "متشددون مشتبه بهم". ويرى جيرمي ان تعامل الولايات المتحدة مع الرئيس اليمني الاسبق علي عبدالله صالح أدى إلى مزيد من العنف وحالة من عدم الاستقرار للحكم المحلي حيث تعاون صالح مع الامريكيين في استهداف "الارهابيين" بقوة ليحكم سيطرته على البلاد ولكنها أيضا لم تكن بالقوة الكافية للقضاء عليهم مما أدى الى نضوب التمويل الامريكي لهذه العمليات .

من القصص المثيرة التي يرويها جيرمي قصة رجل الدين اليمني الأصل والامريكي المولد انور العولقي ( وهو نجل وزير يمني سابق وكان انور قد اشتهر بخطاباته باللغة الانجليزية في جوامع الولايات المتحدة) والذي تم تصنيفه على انه الزعيم الروحي للقاعدة . ويرى جيرمي ان الأدلة التي كانت تمتلكها الادارة الامريكية بشأن ارتباط العولقي بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر كانت ضعيفة إلا أنها انتهت بقصف سيارة العولقي على يد القوات الامريكية بطائرة من دون طيار في الاراضي اليمنية. وفي غارة امريكية لاحقة قتل نجل انور العولقي المراهق مع صديق امريكي وآخرين بينما كان يستعدان لتناول الطعام في احد المطاعم اليمينة. وقد أدت حوادث القتل هذه لمواطنين يحملون الجنسية الامريكية إلى إثارة الجدل في الولايات المتحدة حول استهداف الامريكيين في الاراضي الاجنبية كونها عمليات سرية اعتمدت على معايير قانونية غامضة وأدلة لم يتم تقديمها إلى المحاكم.

الأحد، 14 سبتمبر 2014

قبل العيد


إحدى قصص مجموعتي  (ما وراء الأمس) التي صدرت عام 2011 عن دار نينوى


الساعة الثامنة والنصف صباحاً:
حارقةٌ شمس هذا الصباح، ككل صباحات مسقط، قاسيةٌ هذه المدينة الجميلة في شهور الصيف الطويلة. يفتر ثغر(ربيع) عن ابتسامةٍ متفائلة، يدعك عينيه برفقٍ ليزيل غشاوة ليلةٍ مضت.. تناول شايه على عجل.. ثمة رائحة عطرٍ رخيص تنبعث من دشداشته المكوية. عدة دقائق تنقضي في تثبت العمامة الخضراء الباهتة، محفظته المهترئة تكتظ بالأوراق والقصاصات والأرقام المختلفة.
تلفحه أشعة الشمس القوية قبل أن يلج سيارته متجهاً إلى البنك، تأخذه أفكاره بعيداً عن الطريق والزحام وإشارات المرور المزعجة.. فهذه أول مرة يطل فيها العيد من واجهة البنك. في محفظته الجلدية شيكٌ كسب مبلغه من بيع الأسهم المحدودة التي كان يملكها. ترى أي الديون سيبدأ في سدادها أولاً؟

الساعة التاسعة وعشرون دقيقة:
ابتسامته الواسعة تشق باطمئنانٍ ملامحه الثلاثينية المستكينة، أحس باسترخاءٍ ممتع وهو يتوسد إحدى المقاعد الوثيرة بالبنك، تشده ذكرى أمسيات العيد البريئة، تعود ذاكرته لتبدّد بانزعاجٍ موّال العيد الطويل، تماماً كمتشرد وحيد، تتلقفه الأماكن والشوارع، وها هي ذي بيوت الأهل والأقارب تشبعه بالضحكات والتهاني.. وثمة نظراتٍ أخرى تراقب الوريقات المتغضنة، تلك التي يدسها في راحات اليد الصغيرة، وحده المساء يعيد إليه الثقة في جمال العيد من جديد.
(موناليزا) أخرى ترتسم على محياه وهو يحسب الدقائق التي مضت منذ أن أخبره الموظف الحليق ذو النظارات الدائرية السوداء أن ينتظر قليلاً. رددها ربيع بقوة : قليلاً، ريثما ينتهي من بعض المعاملات.
دقاتٌ متوترة على الأرض الرخامية تُنبأ عن ضيقه من انقضاء نصف الساعة دون طائل، من ترى كان يسمع حوقلته وتمتماته الساخطة؟
هب واقفاً يروم السؤال، انشغل عن قراره بمراقبة شابٍ في نحو العشرين من عمره، جذب من محفظته الفاخرة مشطاً صغيراً.. وسرعان ما عادت خصلات شعره التي بعثرها الانتظار إلى الغابة السوداء مجدداً. تذّكر ربيع صلعته البادية الظهور، والشعيرات البيضاء التي بدأت تغزو سوالفه.. زّم شفتيه وهو يتطلع إلى نفسه في الزجاج اللامع من خلفه. بعد 45 دقيقة من الانتظار، منحه الموظف بعض الاهتمام..
(عندك حساب)؟
هزالموظف راسه محتاراً لمّ أن كانت إجابة ربيع بالنفي، أشار له بالدخول إلى المكتب المجاور.. طالعته بلوراتٌ ملونة، خمن ربيع ان الفتاة تلبس عدسات لاصقة، فكر مندهشاً ( كيف يرتدي الناس في أعينهم أشياء مزيفة)؟
زفر بقوة والموظفة تطلب منه الذهاب إلى الفرع الآخر للبنك في منطقة(.....) هناك فقط يمكن حل معاملته، ربما مع أعين حقيقية!


الساعة الحادية عشر:
خرج ربيع من البنك الثاني، ما كان بحاجةٍ إلى الانتظار مرة أخرى، البنك كان خالياً إلا من بعض الإداريين، همس أحدهم وهو يقترب منه..( لوسمحت يا أخي ما هي عاصمة النرويج)؟ وبنظرةٍ خاوية لمح ربيع مربع الكلمات المتقاطعة.. ثم أجاب الرجل: ( يمكن اوسلو) !

الساعة الحادية عشر والنصف:
ها هو الآن في أحد البنوك الأجنبية، ألتقط أنفاسه، ثم أطلق تنهيدة حارة، أودع فيها تعب الساعات التي مرت، لم يكن أحد من الموظفين المتواجدين في البنك مستعداً للطابورالطويل من المراجعين، وعقارب الساعة لا تأبه لعصبية ربيع الآخذة بالانفجار.
بعد عشرين دقيقة من الانتظار، هتف الجميع فجأة ( الحمد الله.. الحمد الله) ، جاء أحد الموظفين أخيراً، تخلصت ساعة ربيع من ضغط أصابعه المتشنجة، والتي كادت أن تودي بساعته الثمينة، والوحيدة..!

( لا بأس من الانتظار عشر دقائق أخرى) حدّث ربيع نفسه وهو يعدّ الست أشخاص قبله والثلاثة الذين لا يكفون عن التذمر منذ أن لحقوا به.. سمع أحدهم يقول لرفيقه (تعرف يا سليمان ان في البنوك البريطانية ما ممكن تنتظر أكثر من خمس دقائق في أي حالٍ من الأحوال)؟
أجابه سليمان وهو يرفع كتفيه، ويهز رأسه في كل الاتجاهات(عادي يا محمد.. بعد كل هذا العمر تعودنا)!
حدّث ربيع نفسه بتسامح( ما يخالف.. بكرة عيد، الناش مشغولين).
انتقل ربيع إلى عهدة موظف آخر، تساءل الرجل عن استمارة الايداع، ضرب ربيع كفاً بكف وهو يعاتب في سره ذلك الموظف المهمل، بينما أخذ الموظف الثاني يعباً الاستمارة، انشغل ربيع بالنقوش الجميلة في سقف القاعة، حانت منه التفاتة إلى القلم الذهبي الذي يستخدمه الموظف، هتف ربيع بهلع ( لأ.. لا يا أخوي، هذا ما 700، هذا 1900) تنحنح الموظف محرجاً، ثم اعتذر قائلاً:( آسف نسيت نظارتي اليوم، ممكن تقرأ لي الرقم)؟
وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ هكذا تمتم ربيع وهو يقرأ الرقم باللغة العربية، يبدو أن الرجل يُتقن اللغة الانجليزية بشكلٍ جيد، لكن بدون أرقامها!

الساعة الثانية عشر وعشرون دقيقة:
ركن سيارته بالقرب من سوق مطرح، لمح بائع القهوة والفناجين التي تهتز بين أصابعه مصدرةً رنيناً جميلاً، ترافق مع رائحة البن والبهارات والعطور الشعبية التي تآلفت في مزيج مدهش مع أصوات الباعة ومجادلات المشترين. وقف يراقب للحظات العمال الآسيويين وهم يصلحون أنابيب الماء المعطلة، تجاوزهم وهو يقي دشداشته من الأرض الأسمنتية المبللة.. غداً مساء العيد سيلبس دشداشته الجديدة، سينطلق مع أصدقاءه في رحلةٍ خلويةٍ لعدة أيام، قليلةٌ هي المناسبات التي يلتقي قيها مع أصدقاءه المتزوجين، لحظات الإنعتاق تلك تحرره من ظلال الوحدة التي سطّرها بعزوفه عن الزواج.
(فشنك.. فشنك)..
(الله لا يبارك هذي الأنابيب.. يلعن..) وانطلق سباب ربيع ليصل إلى العمال والمارة والنساء الملتفات بالعباءات السوداء. أخذن يتهامسن وقد أخفين ضحكة مكتومة على الرجل السيء الحظ، والذي انفجر فيه احد الأنابيب بقوة، مسبباً تطايرالرذاذ من برك الماء الصغيرة التي كونتها إحدى الحفر الكثيرة في الشارع. انطلق الماء حاملاً معه الطين والوسخ الذائب ، تماماً نحو دشداشة ربيع.
نفض ربيع دشداشته بقوة، وهو يفكربالهيئة المزرية التي سيدخل بها المسجد القريب، سيصلي في أبعد زاوية فيه. تمنى لو أن مصباح ذلك الركن ما يزال محترقاً، حينها سيصعب ملاحظة ما حل به. تسمر فجأة في مكانه وهو يلمح اللافتات قبالة المسجد، أقفل راجعاً من حيث أتى وهويلعن حظه.
( حتى ربي طردني اليوم من رحمته.. المسجد مسكّر للإصلاحات). بدا الاحمرار شديداً في أرنبة أنفه، أخذ يدمدم غاضباً، رفع كمه عالياً وأزال بها خارطة العرق من على أديم وجهه، انتزع عمامته حانقاً وهو يردد ( استغفر الله.. استغفرالله)، تناهى إلى مسمعه صوتٌ يبدو شديد القرب منه..

(تشك.. تشك.. تشك) وبطريقة عددية منتظمة تردد الصوت الغريب.. توقف ربيع عند إحدى حفر البالوعات، أسند جسمه إلى إحدى السيارات التي علاها غبار الطريق.. جذب نعاله بشدة.. حملق في القطعة المطاطية للحظات، ثم انتزعها من مؤخرة نعاله، ابتسم بتشفي وهو يراقب قطعة اللبان وهي تهوي في البالوعة المفتوحة، تابع طريقه بعد أن مسح نعاليه على إحدى درجات محل الأقمشة المشهور، لم ينسى التأمل كعادته في ألوان المخمل الدافئة، تذكر قول سقراط لأحد تلاميذه: ( يجب أن تتزوج يا بني، فإنك إن ظفرت بزوجةٍ طيبة عاقلة صرت سعيداً، وإن أخذت زوجة طائشة مناكفة صرت فيلسوفاً) ابتسم بمرح وهو يحدّث نفسه: الزوجة العاقلة مفقودة، وأنا ليست لدي أدنى رغبة في ان أكون سقراطاً..!

سرعان ما تلاشت ابتسامته وهويتذكر وعده لأمه بأن يحمل شيئا من هذا المخمل يوماً ما إلى عروسه. تابع طريقه وهو يشعر بالغبطة لمرأى سائقي السيارات وهم ينقبون عن أماكن يحشرون فيها سياراتهم، شعر بشيءٍ من الخيلاء وقد نجح هو في الحصول على الموقف المناسب، كاد يهزأ ضاحكاً من إحدى الفتيات، التي كانت تحاول حشر سيارتها في مكان ضيق، أخذ يحصي عدد مرات محاولاتها الفاشلة. تمتم وهو يلج سيارته ( يا للفتيات الغبيات).. ثمة ما أوقفه عن المضيّ في سخريته.. ورقةً صغيرة على واجهة سيارته البلهاء التي ظلت واقفة دون حراك. أحكم قبضته وسددها بغيظ إلى هيكل السيارة، تمنى لو ينتزع إشارة ممنوع الوقوف من على الأرض. لو كان بشيءٍ من الطول لأمكنه رؤية اللوحة. قبضته ما زالت محكمة، وهو يقرأ اسم الشرطي الذي حرر له المخالفة، تصاعد غضبه حين لم يتعرف عليه، لا مفر إذاً.. لا بد من دفع الغرامة.

(عيدية يا عمي.. عيدية)
حدّق بدهشة في اليد الصغيرة المخضبة بالحناء.. الشمس حارقة، والورقة تتكور بين أصابعه.. ثمة عضلة نافرة تتقافز في خديه، رغب بالصراخ، تراجع.. ظل صامتاً.. تسارعت أنفاسه.. صمم وصرخ بكل الضيق الذي يعتمل في داخله:
(سير عني .. ماشي عيدية.. ماشي عيدية)
مدّ الطفل لسانه وأخرجه في وجه ربيع، ثم هرع إلى شخصٍ آخر، وبنفس الترنيمة البريئة ردد:
( عيدية يا عمي.. عيدية)
صرخ ربيع من الشارع المقابل ( قلنالك، العيد بكرة.. بكرة يا ولد الناس)
اتسعت عيون الصبي من الدهشة، سوّى دشداشته المنتفخة بالبيسات، تأبط شراً، هكذا خُيل لربيع، صرخ الصبي: ( إذا انت بخيل وما تريد تعطيني العيدية.. لا تطّير عني عيدية الأوادم)!

ابتلع ربيع الإهانة.. تحسس المكان حوله، فناجين القهوة توقفت عن الاهتزاز، حركة السوق تباطأت، صحكات النساء الملتفات بالعباءات تصله عبر مكبرات الصوت، البهارات الحارة تفسد عليه تنفسه..
ألقى بعمامته في السيارة، ضغط بشدة على ورقة المخالفة، كوّرها من جديد، ثم ألقاها على أرضية السيارة، شغلّها وانطلق بها لا يلوي على شيء.


فرصة للموت



نُشرت في مجلة شرق غرب ، العدد الأول 2014

فمي يغرق في بئرٍ ، وأنا أهوي في بئر ، والغرفة بئرٌ تتهاوى في بئرٍ آخر . الضوء ساطعٌ جدا في عينيّ رغم ظلمة البئر، ودمعي لم يتوقف منذ أن تم تقييدي من ذراعيّ . توقفتُ عن الحركة تماماً.. أصبح رأسي كالمشلول ، لستُ قادرا على استنشاق الهواء إلا بصعوبة شديدة، أكاد لا أبصرُ نفسي في هذه الغرفة المظلمة ، ورغم ذلك فإن هذا الضوء الساطع يُنهك عينيّ كما لو أن بهاراتاً حارقة أُلقيت فيهما.

وَقع خطواتٍ متباعدةٍ آخذةً في الاقتراب ، فتحجب الضوء الساطع عني ثم تُعيد تسليطهُ عليّ باصرارٍ أكبر. يحدق فيّ ظلٌ طويل ، يطيل التحديق حتى لا أكاد أشعرُ سوى بأنفاسه تخنق أنفاسي ، رغم ذلك فأنا لا أبصر سوى يديه الطويلتين اللتين تمتدان باتجاه وجهي . أشعرُ بألمٍ شديد ، بالدموع تنهمر من عينيّ، أرغبُ بالصراخ ، بطلب الرحمة منه، فلم أتوقع يوما أن تكون خاتمتي على هذا النحو . لكنه يتجاهل وجعي في كل مرة، بل يمسح بصبرٍ كل تلك الدموع المتساقطة، وكأنه يدعوني إلى سكب المزيد منها ! ثم يبتسم ابتسامةً غريبة، وكأنه يطمأنني أني لن ألقى حتفي هذه المرة، بل سآتي اليه طائعا حتى يكمل تعذيبي، وأننا في كل مرة سنتقابل وجهاً لوجه في فرصة جديدة للموت.

ليس وحدهُ في الغرفة، سيدةٌ أخرى ذات قامة قصيرة، تحملُ إليه بعض الشفرات الحادة، ومواد بيضاء لزجة ، وشرائح معدنية رفيعة متناهية الصغر. أشعرُ بالتقيؤ من الروائح التي بدأتُ باستنشاقها. سرعان ما فقدتُ الإحساس بملامح وجهي، صرتُ أنتفضُ من الوخزات المؤلمة التي زادت حدتها مع الوقت، وصاحبُ الظل يطلب المزيد والمزيد..المزيد من ماذا؟ ما عدتُ قادراً على التمييز فقد بتّ أشعر أن  وجهي قد أنقسم إلى نصفين وأن يداي في طريقهما الى نفس المصير. أحاول تلّمس ما تبقى من قدميّ . أجدهما ما زالتا ساكنتين، أحاول تحريكهما ولكن قوة ما تدعوني الى التعلق بالكرسي الذي قُيدتُ فيه.

أعودُ الى التقيؤ، أحاول أن أصرخ الآن ولكن البئر الذي أقع فيه مظلمٌ جدا، يشغلني الظلام عن الصراخ. أتذكرُ ولعي الشديد بالظلام حين كنت صبيا، وكيف كنت أخرج في منتصف الليالي الباردة أحاول ضبط السارقين والخائفين والعابثين الذين يتخذون من الظلام ستارا لأفعالهم. حاولتُ ان أرقص يوماً في جنح الظلام حين كان المطر الدافىء يتساقط في الخارج، لكني يومها شعرتُ بالبرد يسلك طريقه في عظامي النحيلة. عظامي الآن أقوى بعشر مرات لكني اليوم أشعر بالبرد ذاته، وكأن الثلوج تفترش ساقيّ . ليس في هذا البئر سوى المزيد من السقوط، كلما زادت فرصة بقائي هنا زادت فرصة وقوعي في آبار آخرى ، ذلك أني لم أتوقف عن السقوط منذ أن تم اقتيادي إلى هذه الغرفة، وفي كل مرة يزداد سقوطي عمقا، ومع السقوط اشعر أني احفر المزيد من القاع تحتي، وفي كل مرة انجو من البئر لأجد بئرا آخرا يفترسني أنا والبئر السابق. لماذا لا انفذ بجلدي، لماذا لا اتناول بعض الشفرات والمشارط الحادة الملقاة على الطاولة أمامي وأهدد بها صاحب الظل والسيدة القصيرة ؟

أحاول أن أمد يدي باتجاه المشارط العديدة ، ولكن اللوحة الواقعة فوق الطاولة تلفت انتباهي ، نسخةٌ من لوحةٍ زيتية  لزهور عباد الشمس تحملُ توقيع فان جوخ . هل من المصادفات أني اقتني اللوحة ذاتها؟ هل من المصادفات ان أقضي حتفي إلى جوار اللوحة المفضلة لدي؟ ربما في ذلك عزائي الوحيد !

 شعرتُ بقطراتٍ باردة تتساقط على أذني..أرعبتني الفكرة حد الموت. وما الذي أنا فيه اذاً غيرُ الموت؟ لا طاقة لي على العذاب قبل الموت .. إذا كان الموت قادما فلا يجب أن يكون التعذيب على طريقة فان جوخ ، لن أقوم بقطع اذني حتما.. ولكن يجب أن أتحرك بعنف أكثر ، أصدرتُ بعض الاصوات الغاضبة  لكن السيدة القصيرة رمقتني بنظرات مخيفة ، وفي يديها لمحتُ أشرطةً لاصقة وكماشاتٍ صغيرة لا تُستخدم إلا لقلع العين أو الأسنان . رباه أين أنا ؟ أيُ زنزانةٍ هذه التي تُمارس فيها أساليب تعذيب وحشية من عصور بائدة .. حاولتُ التحرك بكل قوتي وقد بدأ عرقي يتساقط غزيرا ودموعي كادت أن تجف بلا أمل. حاولتُ أن اتلفظ ببعض الكلمات ولكنها خرجت كهمهمة مضحكة، عاودتُ المحاولة ولكن الصوت المدوي في الغرفة أصابني بالصمم، الحفارة أصبحت في منتصف الغرفة، وبدا وكأنها تحاول أن تحفر حول كرسي التعذيب، ثم شعرتُ بها في مؤخرة رأسي وهي تدوي وتدوي دون توقف ، عشرات الأحجار شعرتُ بها تتهاوى على خدي، كميات هائلة من الركام في فتحة أنفي، عيناي لا تقويان على البقاء فيصرعهما الغبار المتصاعد من الاحجار والركام.

بدأتُ اتقيؤ من جديد ، لكن هذه المرة أُجبرت على ابتلاع قيئي ، بلعتهُ مرار وتكرارا، حاولت أن ألقيه خارج فمي ولكن الظل يلاحظ ذلك ، يُعاجل بادخال الكماشات إلى فمي حتى يمنعني من اغلاقه وأُجبر على بلع كل تلك المواد اللزجة التي يسكبها في فمي. بدأ صاحب الظل يدرك بمقاومتي ورغبتي في الفرار ، شعرتُ بقطراتٍ من الدم على ذقني، تمسحها السيدة القصيرة على عجل ، ليسارع صاحب الظل بادخال المزيد من الشفرات والكماشات الى فمي، لماذا يقتلعون اسناني؟ لماذا يحاولون تعذيبي بهذه الطريقة قبل الموت؟ هل سأكون يقظا حين يأتي الدور على قلع عينيّ؟

ولكن مهلا.. وقف صاحب الظل فجأة ، تسارعت ضربات قلبي ، شعرت بالشفقة على نفسي، أليست نفوسنا أولى بالشفقة قبل الغير، لم أكن في حياتي سوى شخصا عاديا قنوعا بما لدي ، لا استحق هذا المصير ، ربما حادث سيارة على الطريق كافيٌ حتى أموت بسرعة ودون ألم كبير.

أقترب مني صاحب الظل من جديد ، في إحدى يديه الآن ما يشبه المنجل، في يده الأخرى ما يشبه المقص الزراعي الذي أراه يوميا في يد الُمزارع في منزل جارنا، هل يعلم الُمزارع بما يحدث لي؟ هل يعلم ان المقص الذي يستخدمه في تقليم الأشجار يمكن ان يتحول إلى اداة تعذيب بشرية؟  المقص يحوم حول وجهي تماما، أشعرُ به يهوي نحوي. الضوء الساطع الآن على وجه صاحب الظل، لمحتُ نظارته الدائرية السوداء، المقص ما زال يتحرك على وجهي، لا أعلم أين بالتحديد ولكني اشعر أنه يحاول استئصال شيٍ ثمين مني ، أشعر بشيٍ من الضغط على صدغي ، صاحب الظل يقف ويجلس مرارا وهو يحرك المقص في كل الاتجاهات على وجهي، اشعرُ بثقل يديه على المقص، يضغط عليهما بكل قوة ، يدفعني قليلا  ثم يقتلع شيئا ما ، لم اتبين ما هو بالضبط، لكني اشعر بأني أغرق مجددا، أغرق في البئر التي كنت أهوي فيها منذ صباح اليوم دون توقف . لا بد اني أعبر الحياة الآن إلى عالم ما بعد الموت .. الضوء الساطع تلاشى ، لوحة فان جوخ تبدو أجمل وأجمل، الشفرات اختفت من على طاولة التعذيب..اتراخى في هدوءٍ عجيب..  و فجأة أشعر بمن ينتشلني بقوة من تلك البئر القابعة في بئر ، تلك التي تهوي إلى بئر.. !


يدٌ ناعمة تُربت على خدي ، توقظني بكل هدوءٍ من النعاس الذي داعبني في اللحظات الأخيرة.. يخاطبني صاحب الظل مبتسما بعد أن أزال الاصفاد عني : ( مبروك خلعنا ضرس العقل .. وقد كنتَ متماسكا جدا، لم أقابل من قبل مريضا يستلقي في سبات عميق عند خلع ضرسه). بلعتُ ريقي وأنا أحدثُ نفسي : (هل يا ترى ينبغي أن أخبره بالأحلام الوردية التي كنت أنعم بها ايضاً) ؟

السبت، 13 سبتمبر 2014

كيف تخلينا عن التاريخ


طوال عهدنا ومدة دراستنا واطّلاعنا باللغة العربية ، لم تتوقف المصادر التاريخية والجغرافية والادبية العربية من الاصرار على تسمية الخليج المتاخم للدول الخليجية و ايران بالخليج العربي، رغم إصرار المصادر الايرانية والغربية على كتابتها واعتبارها الخليج الفارسي. ولكن هذا الاختلاف لم يثني الدول الخليجية من الاصرار على تسميته حسب هويتنا واقتناعاتنا وحتى اليوم ما زلنا نسمي الخليج الذي تطل عليه دول مجلس التعاون بالخليج العربي. بغض النظر عن التسمية الصحيحة فإننا بقينا متمسكين بها عبر السنوات والاجيال الماضية ولم نتخلى عنها حتى الآن الجزائر تم احتلالها واستيطانها من قبل الفرنسيين الذين حاربوا العقيدة الاسلامية فيها وحاولو تقوية وجودهم العسكري والثقافي فيها، واخمدوا ثوراتها الكثيرة، وتم منح المستوطنين مساحات شاسعة ، وبلغ عدد المستوطنين الاوروبيين فيها ما يقرب المليون مستوطن من جميع الجنسيات الاوروبية في نهاية القرن التاسع عشر. ورغم ذلك بقى اسم الجزائر واضحا ، وظل اسم المحتل واضحا، ولم يتم تغيير اسم الجزائر الدولة الى فرنسا الدولة لا في الخرائط ولا في الاجتماعات ولا في الوثائق. بقى هناك احتلال ومحتل، استيطان ومستوطن.
Like
إذاً الخليج العربي ظل خليجا عربيا في خرائطنا رغما عن الخرائط الدولية والايرانية، والجزائر بقت الجزائر رغم الاستعمار الفرنسي الذي طال اكثر من ١٠٠ سنة. ولكن ماذا حدث لفلسطين بالمقابل؟
وسائل الاعلام العربية اصبحت تعرض خريطة فلسطين مكتوبا عليها اسرائيل بكل وضوح ، فيما هناك مساحة لغزة ومساحة اخرى للضفة الغربية . كيف حدث وأن تنازلنا عن اسم فلسطين من خرائطنا واعلامنا وحضورنا البصري؟
ماذا يمكن للأجيال القادمة ان تتعلم من ذلك وهي تشاهد الخرائط العربية تشير الى فلسطين المحتلة باسم اسرائيل ، ولم يمضي على النكبة سوى ٦٦ عاما ؟ أليس هو استعمار واستيطان مشابه لم فعله الفرنسيون ؟ لماذا نغير جلدنا ؟
في حفل افتتاح دورة الألعاب العربية الثانية عشر في قطر وبحضور رسمي عربي وعلى رأسهم رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" والأمين العام لجامعة الدول العربية "نبيل العربي" عرضت قطر خريطة فلسطين مبتورة ومقتصرة على الضفة الغربية وقطاع غزة !

الطريق !


كل هؤلاء الرسل
كل تلك الأديان السماوية 
كل تلك التعاليم الإلهية
جاء كلٌ منها ليكون حلقة واحدة من سلسلة طويلة 
من الهداية والتبصير 
لكننا لم نصل الى هدف ما بعد..لم نكتشف سر هذا الكون الخانق بعد
لم تلتقي الديانات بعد، بل تصارعت وتحاربت وتقاتلت رغم انها حلقات في سلسلة واحدة .
كل الأمم أدبرت عن الحق ، كلها تعرضت للعقاب ، كلها فشلت في التعايش بسلام طويل..
لو شاء الله تعالى لخلقنا جميعا مسلمين او يهودا او مسيحيين
ولو شاء ايضا لخلقنا جميعا سنة او شيعة او الخ
ولو شاء لخلق المسيح جميعا طائفة واحدة ايضا
متى نفهم ان الهدف ليس ان نكون متماثلين؟
ربما.....متكاملين؟
واذا كان الهدف ان نكون متكاملين فإن ذلك يعني اننا غير كاملين حاليا بالديانة، بالمذهب الذي نحن عليه.
أو ربما هناك هدف آخر لم نبلغه بعد كبشرية!

السجينة



كيف يمكن التعبير عن هذه الرواية المؤلمة؟
الفكرة الأولى التي تبادرت إلى ذهني عند الانتهاء منها أن اسمها ربما يجب أن يكون عمرا في الجحيم وعمرا في النعيم. تحكي هذه الرواية قصة مليكة أوفقير ابنة الجنرال المغربي محمد أوفقير ، الذي قام بانقلاب عسكري على الملك الحسن الثاني واغتياله. فشل الانقلاب واعدم أوفقير والقيت عائلته المكونة من زوجتة واولاده الخمس في سجون مؤلمة ومزرية وفي طفولة منكوبة طوال عشرين عاما، دخلتها مليكة يوم ان كانت فقط في ١٨ من عمرها، في حين لم يكن أخاها الصغير قد تجاوز الثالثة من عمره.

ربما أقسى مرحلة في مرحلة السجون التي دخلوها حين تم فصلهم- في أحد المراحل- في سجون ثنائية مجاورة لبعض تم تحديد ساعات خروجهم فيها بحيث يصعب ان يتم لقائهم، ودون أن يتمكنو من رؤية بعضهم لمدة ست سنوات كاملة رغم تشاركهم في نفس جدران السجن!
من الصعب تخيل العذاب الذي لقيته هذه العائلة التي كانت من أثرياء المملكة ومن المقربين للملك لدرجة ان الكاتبة قبل انقلاب والدها، قد تم تبنيها من قبل الملك محمد الخامس وعاشت حياة ملكية استثنائية حتى الثامنة عشر من عمرها.
الكثير من الاسئلة راودتني وأنا اقرأ ما ذكرته مليكة عن حياة الملك الحسن الثاني ثم ابنه محمد الخامس وكأنها كانت تحكي عن حكاية من ألف ليلة وليلة..نساء وجواري ومسابح وقصور وحدائق وسينما خاصة فقط من أجلهم. ترف ملكي اسطوري. زادت اسئلتي حين كانت مليكة تروي بفخر لقائها بأبن أحد القادة الاسرائيليين في لندن. وكيف انهم بعد خروجهم من السجن والتعذيب عُرض عليهم الهجرة الى اسرائيل من قبل المملكة المغربية !!
وماذا عن الجنرال محمد أوفقير.. ترى كيف تعامل مع خصومه قبل انقلابه العسكري؟

( مــولانا ) ..!




هل يمكن أن تكون هذه الرواية التي تكشف خبايا السياسة والدين والاعلام في مصر رواية حقيقية بالفعل؟ لا أشك أنها تستند الى أحداث وقعت بالفعل وقام الكاتب بتوظيفها بهذا الشكل الروائي المتقن.
يرسم ابراهيم عيسى ملامح شخصيته المحورية في الرواية بشكل مبهر ، يجعلك تعيش باحاسيسك مع مولانا الشيخ ، تعاني معه، تضحك معه، تحزن لأجله.الحوار الذي يجريه مولانا في هذه الرواية ممتع لأقصى حد لأنه يأتي بلهجة مصرية محببة وبخفة ظل ومرح جميل لا يمكن ان يقوم بها سوى شيخ مصري صاغ ملامحه كاتبٌ مصري . رغم ان بداية الرواية تسهب في وصف لغوي لا طائل منه، إلا ان الرواية بعد ذلك تشدك بكل تفاصيلها وحواراتها وحبكتها حتى النهاية. القراءات الدينية التي يقدمها الكاتب على لسان الشيخ بأسلوب درامي وتفصيلي مثيرة والحقيقة لأول مرة اقرأ لمن يتجرأ على الجهر بها رغم معرفتي السابقة لبعض هذه الأراء. طوال الرواية وأنا أفكر ان هذا العمل يستحق ان يتحول الى عمل تلفزيوني ، وبعد بحث سريع أجريته تبين ان هناك نية لفعل ذلك .


رواية مذهلة للكاتب الياباني هاروكي موراكامي ، لا أذكر اني قرأت شيئاً يشبهها في غرابتها، حتى ليخال اليك ان الكاتب نفسه لا يعرف كيف ستنتهي هذه الرواية، وكأنه يكتشف ويندهش برفقتك. من الصعب ان تذوق طعم رواية أخرى بعد الانتهاء من هذه .الرواية متقنة وبارعة جدا في حبك حكاياتها الصغيرة والجانبية والاساسية، أسلوبها الادبي لا اختصار فيه ولا اسهاب، بل بالضبط الجرعة المناسبة جدا من العاطفة والكلمات والوصف سواء كان وصف الشخصيات او الاماكن او الاحداث. كلما تعمقت فيها كلما احسست بأنك خرجت من كهف جميل لتدخل كهفا أجمل. في كل فصل حبكة غير مكتملة لكنها تكتمل فقط في اللحظة والصفحة المناسبة. ليست عادتي ان اقرأ نفس الرواية مرتين، ولكن مع هذه الرواية اعتقد ان علي اشياء أخرى يجب ان اكتشفها بقراءة ثانية. الجزء الذي كان ربما كنت لا اجد نفسي فيه حين يتحدث الكاتب عن الموسيقيين، وذلك لقلة معرفتي بهذا الجانب.

«العجائب السبع في بيت خيال» قصة «تحفز الطفل على السؤال والاستكشاف»


حوار جريدة عُمان.

حوار : سجا العبدلي -

“في يوم من الأيام في مدينة غريبة بعيدة / يقال لها ( الآجام) / وفي إحدى أزقتها المتماثلة الأحجام / بل في آخر آخر أزقة (الآجام ) / عاش أطول الأطفال!/ لم يكن بطيئاً أو عنيداً أو كسولاً / كان فقط أغرب الأطفال/ هكذا كان اسمه : “ خيال” ! “ …
وعن أطول الأطفال “ خيال “ كتبت الكاتبة أمامة اللواتية قصتها هذه بعنوان “ العجائب السبع في بيت خيال “. القصة التي صدرت حديثاً كتبتها الكاتبة بأسلوب مكثف وشيق جاءت باللغتين العربية والإنجليزية على حد سواء. ومرفقة برسوم جميلة للسعودية نوف السماعيل. ورغم أنها تبدو للوهلة الأولى قصة للأطفال إلا أنها تصلح لأن تقرأ من فئات عمرية مختلفة لما تميزت به من مرونة وعمق.
وحول “العجائب السبع في بيت خيال” تقول الكاتبة أمامة اللواتية: كنت أسعى إلى كتابة سلسلة من القصص الخيالية للأطفال، تتكون من شخصية رئيسة تقوم بمجموعة من المغامرات الجميلة والغريبة والمختلفة عن المغامرات التي نقرأها في قصص الأطفال الأخرى. أيضا تحفز الطفل الى السؤال والاستكشاف وتثير تفكيره وربما تدفعه الى القراءة أكثر حول بعض الكلمات والعبارات والمدن التي وردت في القصة. من ناحية اللغة كنت أريدها أيضا أن تكون مختلفة، فيها شيء من النغم والموسيقى، وحين يقرأها الطفل بصوت عال قد يكتشف أنها قصيدة صغيرة في شكل قصة أو قصة بلغة القصيدة. أيضا كان لي هدف إضافي وهو أن أجذب بهذه القصة شريحة أكبر من الكبار، فهي قصة للصغار فوق العشر سنوات لكنها أيضا قد تكون ممتعة للكبار. هذه القصة هي الأولى في هذه السلسة، وأتمنى حقا ان اوفق في نشر بقية أجزاء هذه السلسة.
وعن فكرة القصة تقول الكاتبة : قصة العجائب السبع في بيت خيال هي بكل بساطة عبارة عن قصة أب وابنه يعيشان في مكان مهمش في مدينة تسمى “ الآجام” وهي كلمة تعني الشجر الكثيف الملتف. كل الأشكال في هذه المدينة متشابهة ومتماثلة، ويضجر الأب من هذه المدينة ويفكر بالرحيل عنها، ولكن الطفل خيال، يطلب من والده التريث حتى يجلب معه أشكال مختلفة عن تلك الأشكال المتساوية الأضلاع الموجودة في مدينتهم. يرحل خيال إلى مدن مختلفة من بينها مدينة يصنع سكانها المثلجات من السحاب، وهي فكرة كانت تراودني في طفولتي حيث كنت لسبب ما أربط بين اللون الكريمي للبوظة واللون القطني للسحاب، وكنت حينها أتساءل هل يمكن بالفعل أن نصنع المثلجات اللذيذة من السحب التي تشبهها كثيرا ؟
وتضيف: المدن الأخرى التي يرحل إليها خيال، يرتبط وصفها المذكور في القصة مع أوصاف وأسماء لمدن حقيقية بالفعل، وقد يستغرب القارئ حين يعلم أن مدينة ملوخا المذكورة في القصة ما هي إلا أحد الأسماء القديمة التي كانت تطلق على عمان حسب النصوص السومرية، وهي كلمة تعني المواد شديدة النقاوة، وقمت بتوظيف هذا المعنى في القصة حيث يرحل الطفل خيال الى مدينة ملوخا التي تحتوي على كل البياض الموجود في الدنيا! ولذلك فهي مدينة بيضاء لنقاوتها الشديدة، وكما تقول القصة ( لا شيء سوى النرجس والياسمين..امواج البحر بيضاء بيضاء، وكل الحوريات تمتلك ضحكات بيضاء..حتى الليل يأتي ناصع البياض).
هناك أيضا المدينة العريقة تمبكتو والتي تقع في مالي، اشتهرت قديما بلقب جوهرة الصحراء و كانت تعتبر من أهم العواصم الاسلامية في غرب افريقيا، والتمثال الاسطوري الذي ذكرته في القصة هو بالفعل تمثال كان حتى عهد قريب يقع في وسط المدينة حيث كان الاهالي يعتقدون انه يقوم بحمايتهم. قوافل الملح وصحراء أزواد ايضا حقائق عن تمبكتو المجهولة والمثيرة.
إحدى المدن التي يزورها خيال هي مدينة أفسوس وهي مدينة إغريقية قديمة في الاناضول (تركيا حاليا) ، وكانت مدينة عظيمة جميلة وهكذا فقد وظفتها في قصتي لتصبح مدينة مخفية بسبب صغر حجمها لدرجة أنها تقع على غصن شجرة ولكنها رغم ذلك بهية بحدائقها وشرفاتها وابوابها والحلزونات التي تسكنها! ومن الأشكال التي يحصل عليها خيال في رحلته ايضا سور عجيب يبدو أنه يتمتع بالأحاسيس البشرية، فيتغير شكل هذا السور حسب حالته المزاجية، فيصبح شكله مستطيلا حين يضحك، ومربعا حين يحزن، ومكعبا حين يفكر، والأعجب من ذلك ان هذا السور يمكن طيه بسهولة كما نقوم بطي ورقة عادية ! وبالطبع حين يعود خيال الى مدينته حاملا كل هذه الأشكال العجيبة معه، يصبح منزل والده مكانا يزوره كل الناس في القرية، وبذلك يصبح المنزل من أهم المنازل في القرية ولا يعود مهمشا أو في آخر القرية بل يصبح في أولها رغم ان موقع البيت لم يتغير ابدا ولكن أهمية المنزل ومكانته هي التي تغيرت لدى الناس بسبب الأشكال العجيبة التي يحويها.
وفيما يتعلق بمراحل إنجاز هذا العمل تشاركنا الكاتبة هذه التجربة فتقول: واجهت صعوبات في طباعة هذه القصة، حيث كنت أبعثها إلى الدور العربية وكنت أتلقى منهم كل اعجاب وتقدير بالقصة ولغتها وطريقة توصيل الفكرة، لكنهم كانوا يترددون في قبولها بسبب حبكتها ولأنها قد لا تكون مربحة من الناحية التجارية حيث يعتمدون على أفكار محددة لبيع أكبر كمية من الكتب، وهناك أسباب أخرى لم اكتشفها للأسف بشكل واضح. قررت ان اقوم بطباعة هذه القصة على حسابي الخاص في دار نشر امريكية، وكانت المسألة في غاية الصعوبة لأني فضلت ان تكون القصة باللغتين، كما أن الدار لم يسبق لها وان قامت بطباعة قصة للأطفال بالعربية ، لكن المتابعة والاشراف من قبل الدار كان شيئا رائعا تعلمت منه الكثير. حيث تم تحديد مشرف يتابع معي مراحل تسليم القصة عبر المكالمات الهاتفية، وحالما انتهيت من تسليم النصوص انتقلت الى مشرف آخر مهمته متابعة الاعداد وثم مشرف آخر لمتابعة المراحل النهائية، وقمت شخصيا بالاتصال بمخرج القصة وأشرفتُ على طريقة اخراج القصة بالشكل الذي ظهر عليه، وقد كانت هذه أصعب مرحلة بسبب وجود اللغتين في القصة الواحدة، وعدم قدرة الدار على التحكم الكامل بطريقة اخراج وتصميم النص العربي.
اما الرسوم التي رافقت ( العجائب السبع في بيت خيال ) فقد تميزت وساهمت بشكل كبير في اضافة الكثير من البهجة والفرح لأجواء القصة وعنها تقول اللواتية :
بالنسبة لرسوم القصة المميزة فقد التقيت عبر وسائل التواصل الاجتماعي الانستجرام برسامة سعودية مبدعة اعجبت كثيرا برسوماتها، وأدركت انها الشخص المناسب بخيالها المبدع في التقاط خيال الفكرة في نصوصي، قمت بمراسلتها واستغرق انجاز الرسوم أكثر من ستة أشهر، حيث كنا نتناقش بشكل دائم في الرسوم المناسبة، وكانت نوف السماعيل صاحبة ابداع وذات مرونة كبيرة في تقبل التغييرات. وإليها يعود الفضل في تصميم هذا الغلاف الآخاذ للقصة . القصة بشكل كامل استغرق ظهورها ما يقارب السنة ونصف السنة. وقد قامت الدار بتوفيرها في موقع الامازون.كوم وموقع دار النشر نفسها الى جانب المكتبات الامريكية الأخرى حيث يمكن شراؤها من الانترنت سواء كنسخة ورقية مطبوعة او بشكل الكتروني يمكن تحميله مقابل سعر يقل عن اربعة دولارت.






http://main.omandaily.om/?p=140647


مغامرة حب في بلاد ممزقة

" عشت فتاة كردية في البلاد التي تكره الأكراد".
هكذا تبدأ جوانا العسكري المولودة من اب عربي وام كردية روايتها الحقيقية للأحداث التي عاشتها في عراق صدام حسين، حيث نشأت جوانا في بغداد واصبحت لاحقا زوجة لمقاتل من "البشمركة" في كردستان التي كان اهلها يناضلون من أجل حريتهم وحقوقهم الضائعة. تصف جوانا التعذيب الذي تعرض له اخوها وزوج اختها على يد نظام حسن البكر وصدام حسين، وتصف الرحلة الشاقة التي خاضتها عبر جبال كردستان بعد تعرضهم عدة مرات للهجوم الكيميائي من قبل صدام حسين الذي أدى الي ابادة مائة الف كردي تحت سمع وابصار المجتمع العربي والدولي.
تصف لحظات قصف حلبجة المدينة المنكوبة بوحشية بغاز الخردل والساران والتابون. تصف وسائل التعذيب التي بلغت حد اقامة عشرات الحفر العميقة في الارض بغطاء معدني ثقيل يلقى فيها الأكراد وغيرهم من المعارضين لايام واسابيع طويلة. تصف كيف طمأنها زوجها انها سيقتلها ويقتل نفسه قبل ان يحصل عليهم رجال صدام حيث تعرضت الكثير من الكرديات للتعذيب والاغتصاب في سجون صدام.
رغم ان الاسلوب السردي للراوية بسيط ومباشر فهو يبدو مناسبا لهذا النوع من السير الذاتية التي ترجمت من اصلها الانجليزي، حيث تولت الصحفية جين ساسون كتابة الاحداث التي روتها جوانا العسكري.