أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

الحروب القذرة


في كتابه المثير والمليء بالتفاصيل والمعلومات المسهبة يأخذنا الصحفي جيريمي سكاهيل في رحلة معقدة إلى داخل حروب سرية جديدة تقودها الولايات المتحدة بشكل اقليمي وعالمي وبأوامر مباشرة من البيت الأبيض للقيام بكل ما هو ضروري لملاحقة واعتقال أو قتل أفراد معينين تم تحديدهم كأعداء من قبل الرئيس الامريكي .
 يعمل في هذه الحروب السرية التي تدور حول العالم مجموعة من الجنود النخبة الذين ينتمون إلى جهات متعددة كالقوات البحرية SEALs (وهي قوات بحرية جوية برية خاصة)، وما يعرف بقوة دلتا (المختصة بمواجهة العمليات الارهابية) ومتعاقدين سابقين من شركة بلاك ووتر السيئة السمعة، وغيرها من الشركات الأمنية الخاصة. إلى جانب شعبة الأنشطة الخاصة لوكالة الاستخبارات المركزية و قيادة العمليات الخاصة المشتركة    ( JSOC ) ، مع الآلاف من القوات الخاصة السرية التي تعمل في أكثر من مائة دولة . يتم تمويل هذه العمليات عن طريق " ميزانيات سوداء" غير معلنه عنها، وتهدف إلى تنفيذ عمليات محددة في مناطق محرم دخولها رسميا، والانخراط في عمليات القتل المستهدف ، وخطف وانتزاع الأفراد وتوجيه الطائرات بدون طيار والضربات بصواريخ كروز . والمثير ان هذه العمليات توسع نطاقها في عهد الرئيس باراك أوباما ومنحت مزيدا من الشرعية.
يبدو الوصف السابق مشهدا متقنا من سيناريو فيلم هوليوودي يتعلق بالتجسس واعمال الاستخبارات ومجموعة من الاعمال الغامضة والقذرة التي تمت بسرية تامة دون معرفة الصحافة أو الكونجرس ولم تعرض من قبل في النقاش السياسي! ولكن الصحفي جيرمي بالفعل يأخذنا إلى حقائق وقصص حقيقية عن أبعاد السياسة الخارجية الامريكية ويستكشف أعماق آلة القتل الأمريكية العالمية التي لم تستثني حتى مواطنيها الامريكيين من عمليات الاغتيال، بدءا من أفغانستان إلى اليمن والصومال وخارجها. ويشرح جيرمي كيف تم إضفاء الجانب المؤسسي على سياسة الاغتيالات حتى أصبحت مكونا رئيسيا في سياسة الأمن القومي للولايات المتحدة .
ويرى جيرمي أن صناعة الولايات المتحدة لهذه النزاعات يهدد الاستقرار العالمي ، وهو ما يتفق معه كثير من المحللين إلا أن جيرمي يوضح لنا بشكل دقيق ومفصل كيف يتم ذلك عن طريق تحالف الولايات المتحدة "الميكيافيلي" مع امراء الحروب في اليمن والصومال وقوات الاحتلال في اثيوبيا، ثم يتساءل عن ضحايا هذه الحروب السرية من الغارات الليلية والسجون السرية وهجمات صواريخ كروز واستهداف فئات كاملة من الناس تم تصنيفهم على انهم "متشددون مشتبه بهم". ويرى جيرمي ان تعامل الولايات المتحدة مع الرئيس اليمني الاسبق علي عبدالله صالح أدى إلى مزيد من العنف وحالة من عدم الاستقرار للحكم المحلي حيث تعاون صالح مع الامريكيين في استهداف "الارهابيين" بقوة ليحكم سيطرته على البلاد ولكنها أيضا لم تكن بالقوة الكافية للقضاء عليهم مما أدى الى نضوب التمويل الامريكي لهذه العمليات .

من القصص المثيرة التي يرويها جيرمي قصة رجل الدين اليمني الأصل والامريكي المولد انور العولقي ( وهو نجل وزير يمني سابق وكان انور قد اشتهر بخطاباته باللغة الانجليزية في جوامع الولايات المتحدة) والذي تم تصنيفه على انه الزعيم الروحي للقاعدة . ويرى جيرمي ان الأدلة التي كانت تمتلكها الادارة الامريكية بشأن ارتباط العولقي بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر كانت ضعيفة إلا أنها انتهت بقصف سيارة العولقي على يد القوات الامريكية بطائرة من دون طيار في الاراضي اليمنية. وفي غارة امريكية لاحقة قتل نجل انور العولقي المراهق مع صديق امريكي وآخرين بينما كان يستعدان لتناول الطعام في احد المطاعم اليمينة. وقد أدت حوادث القتل هذه لمواطنين يحملون الجنسية الامريكية إلى إثارة الجدل في الولايات المتحدة حول استهداف الامريكيين في الاراضي الاجنبية كونها عمليات سرية اعتمدت على معايير قانونية غامضة وأدلة لم يتم تقديمها إلى المحاكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق