أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الاثنين، 3 سبتمبر 2018

إمرأة باللون الذهبي قصة واحدة من أشهر لوحات الفنان كليمت



" موناليزا  النمساويين تغادر موطنها"


نهب اللوحات
يروي هذا الفيلم Women in Gold الذي عُرض في فبراير ٢٠١٥ ، أحداثا مشوقة لقصة حقيقية لماريا ألتمان ، السيدة النمساوية الأصل وعائلتها اليهودية التي تعرضت للاضطهاد من قبل القوات النازية في النمسا، ومن ثم وقوع عائلتها قيد الاقامة الجبرية في حين تمكنت هي وزوجها من الهرب إلى الولايات المتحدة الامريكية. تؤدي دور ماريا التمان الممثلة( هيلين ميرين ) الفائزة بجائزة أوسكار ، وهو من اخراج سيمون كرتس وكتب السيناريو الكسي كاي كامبل.

 يعود الماضي وأحداثه الصعبة التي شهدتها هذه السيدة النمساوية العجوز ، التي تملك متجرا  للملابس في بيفرلي هيلز، حين تتوفى شقيقتها وتكتشف بين رسائلها ما يشير إلى أن عدد من اللوحات المشهورة للفنان العالمي غوستاف كليمت تعود ملكيتها إلى إرث العائلة، إلا أن هذه اللوحات التي كانت معروضة حينها في قصر بلفدير، أحد أشهر متاحف النمسا ، قد قام النازيون بسرقتها أساسا بعد عملية نهب لمنازلهم وممتلكاتهم. ومن بين لوحات هذا الفنان النمساوي المعروف بلوحة ( القبلة) الشهيرة، يبرز البورتريه الذي رسمه للسيدة الارستقراطية الجميلة اديل بلوكباور زوجة عم ماريا التمان المقربة، والتي لم ترزق هي وزوجها بأطفال وتوفيت في عمر يقارب الثالثة والأربعين. وتتذكر ماريا بوضوح أن اللوحة كانت معلقة على جدران منزلهم الفخم. أُنجزت هذه اللوحة عام ١٩٠٧ واستغرق إنجازها ثلاث سنوات، وغلب عليها اللون الذهبي البراق كمعظم أعمال كليمت في تلك الفترة، وسرعان ما أصبحت هذه اللوحة تمثل للنمساويين ما تمثله الموناليزا للفرنسيين.

من يملك اللوحات ؟
وبمساعدة صحفي نمساوي ومحام قليل الخبرة من مدينة لوس انجلوس إلا أنه معروف كونه حفيد المؤلف الموسيقي النمساوي الشهير أرنولد شونبيرغ  تقوم ماريا ألتمان وطوال سنوات بمقاضاة المتحف النمساوي وصولا الى المحكمة العليا في الولايات المتحدة لاستعادة تلك اللوحات. وندرك من خلال القصة أنه رغم وصية اديل باهداء اللوحات بعد موتها للحكومة النمساوية ، ولكن الوصية لا تعتبر نافذة بسبب سرقة النازيين لممتلكات العائلة، وكون عمها مالك اللوحة قد أوصى قبل موته أن تؤول كل ممتلكاته الى ابناء شقيقه. وقد هرب عم ماريا وزوج اديل الى سويسرا في فترة سيطرة النازيين  تاركا كل ممتلكاته الثمينة في النمسا.


الارث الحضاري والتاريخي
رغم أن اللوحات المسروقة هي لعائلة ماريا، وتمثل ارثها التاريخي لكنه في النهاية لا يملكني إلا أن اتساءل حول صواب ما فعلته ماريا باستعادة اللوحات وعرضها في متحف امريكي بعيد في هويته تماما عن هوية اللوحة وموطنها الأم، فاللوحة أنُجزت في النمسا ، والرسام كيلمت نمساوي، والبورتريه لسيدة نمساوية كما آنها عُرضت في منزل نمساوي وكانت أمنية اديل أن تُسلم اللوحة للحكومة النمساوية، لولا تعاون الحكومة النمساوية مع النازيين في اذلال اليهود في النمسا. ويمكن فهم اصرار ماريا على مغادرة النمسا برفقة لوحاتها واستعادة ما كان ملكا لعائلتها الثرية بالأساس، وما يمثله ذلك من استعادة شيء من الكرامة والذات بعد اذلال الحكومة النمساوية لليهود وسلبهم ثرواتهم واجبارهم على مغادرة بلدانهم . اضافة الى المعاملة المتغطرسة التي تلقتها ماريا من المسئولين النمساويين وعدم رغبتهم في التفاوض معها حول استعادة اللوحة.

الارث المسروق
إلا أنه بدا لي أن ماريا فضلت في النهاية النصر الشخصي الذي حققته هي ومحاميها على الارث الحضاري والجذور التاريخية ، في قضية لم يكن من المتوقع أبدا الفوز فيها . خاصة أن ماريا تقوم في النهاية ببيع هذه اللوحة  لمتحف امريكي في نيويورك لانه لا يمكنها أن تعرض اللوحة في (كوخها) كما تقول. وبذلك فإن اللوحة تستقر في بيئة لا تربطها أي علاقة بالموطن الأم لبورتريه اديل وظروف انجازها. الحقيقة شعرت بالحزن في نهاية الفيلم حين فضلت السيدة أن تُنتزع تلك اللوحة التي كانت تمثل ما ما يشبه الهوية الوطنية للنمساويين من جذورها، ولولا تغطرس المسئولين ورفضهم التفاوض مع ماريا لكانت اللوحة ما زالت تعارض في متحف بلفدير النمساوي. وانا اتابع الفيلم كنت أفكر في الآثار المسروقة من بلداننا العربية والتي سرقت حديثا في العراق وسوريا في خضم انشغال الجميع في الحرب، هل سيأتي يوما سننتبه فيه الى ما سُرق من تراثنا وحضارتنا؟ وهل ستوافق الدول التي ساهمت في تلك السرقات التاريخية وسهلت عبورها الى  المتاحف الغربية على اعادتها لاصحابها وموطنها الأصلي ؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق