أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الثلاثاء، 6 يناير 2009

الجزء(3) عجائب المدرسة الاسترالية

تجربتي مع النظام التعليمي الاسترالي كانت مميزة وأثرتني بقدرما اثرت شخصية ابنتي وميولها وهي تخطو خطواتها الأولى. وكنت أتعلم مع ابنتي ما لم أتعلمه في مراحل دراستي الشخصية! ولذلك فإن السطور القادمة سوف تكون للحديث عن هذه التجربة بتفاصيل اكثر كونها تجربة جميلة ولا يمكن نسيان عمق تأثيرها.
البداية كانت صعبة مع عام دراسي قد بدأ قبل مجيئنا وبابنتي التي أنهت الفصل الأول من مرحلة التمهيدي في السلطنة، وبقاموس من الكلمات الانجليزية لا يؤهل لهذا الانقلاب اللغوي الكبير. خوفنا كان كبيراً من الاحباط الذي قد يصيبها من هذا التغيير المفاجىء، لكن الأمر الاكثر مفاجأة هو تصرف المدرسة تجاه ابنتي. وقبل ان اتوغل في ذكريات هذه التجربة أجد من الضروري أن أذكرأن المدرسة كانت مدرسة حكومية ولم يكن يتوجب علينا دفع أية رسوم دراسية غير رسوم القرطاسية والكتب.

قررت إدارة المدرسة الحاق ابنتي بالصف الأول اعتماداً على عمرها حسب القوانين الاسترالية، وكان ذلك كافيا ليثير قلقي، لكن معلمة الفصل طمأنتني وقالت لي: (لا تقلقي أبداً، فهي ليست الحالة الأولى لدينا، ومدرستنا مهيأة لاستقبال الطلاب الذين لا تمثل اللغة الانجليزية لغتهم الأم. ستتجاوز ابنتك هذه المرحلة الصعبة وسنساعدها على ذلك. حيث يتعلم الأطفال بسرعة في هذه المرحلة العمرية). لم تكن المعلمة لتبالغ أبدا، فالمدرسة تضم مركزاً صغيراً تديره معلمات مختصات بتعليم اللغة الانجليزية كلغة ثانية لغير المتحدثين بها.ويقوم الطالب بقضاء جزء من يومه الدراسي في هذا المركز الذي يقع داخل أسوار المدرسة، حيث يتلقى انتباه أكبر.

بعد مرور شهرين من القلق والانتظار، ومعاناة ابنتي من عدم القدرة على التواصل مع زملائها، فوجئت بها تزقزق في البيت باللغة الانجليزية! بل وجدتها تحدث نفسها- كما يفعل الأطفال في هذا العمر- وتلعب بدماها متحدثة معهم باللغة الانجليزية. ورغم حرصنا على الحديث باللغة العربية داخل العائلة، إلا ان المفاجآت توالت حين وجدتها تحمل إليّ كل يوم من مكتبة المدرسة قصة لتقرأها، مرفقة مع ملف، يقوم ولي الامر بتسجيل عنوان القصة وتوقيعه فيه بعد الاستماع إلى قراءة طفله. أما عن الواجبات فأجزم قرائي الاعزاء، انكم ستمتلئون بالدهشة إذا ادركتم ان حقيبتها المدرسية لم تكن تحوي غير الملف والقصة، ودفتراً واحداً للواجبات! أما الكتب فقد كانت تُترك في الفصل، والحقيقة اني لم أرى كتب ابنتي المدرسية إلا عند نهاية السنة الدراسية!

وبالنسبة للواجب العجيب، فقد تلقينا ملاحظة مطبوعة تم توزيعها على طلاب الفصل ، بأن أداء الواجب يجب ألا يستغرق أكثر من 15 دقيقة، وإذا استغرق اداؤه أكثر من ذلك فإنه يترك ويكمل في اليوم التالي. قارئي العزيز هل جاءك طفلك يوما طالبا ان تشتري له حقيبة مدرسية بعجلات لأن ثقل الحقيبة يؤلم ظهره؟ وترى كم من الساعات تقضينها يا عزيزتي الأم في حل الواجبات ومراجعة الدروس مع طفلك وخاصة لو كان لديك أكثر من طفل واحد في المدرسة؟
الجزء الأكبر من النظام الدراسي كان يعتمد على الفهم والممارسة العملية وليس على الحفظ والتلقين، كما أنه كان يحترم وقت الطالب وحقه في ممارسة هواياته وحياته بعد انتهاء الدوام الدراسي، بدل ان يصل النهار بالليل والليل بالنهار في سبيل الحفظ والمراجعة، وينهك معه الوالدين وخاصة إذا كان يعملان. ما أجمل ان يتم احترام شخصية الطالب وحقوقه، تماما كالموظف الذي يقضي ثماني ساعات في العمل، ومن ثم يرغب في الراحة في المنزل من غير ان يحمل معه مهام عمله إلى البيت! ما أجمل ألا تضطر الام - غالبا- إلى تقمص دور المعلمة، لتقضي بدلاً عنه وقتا طيبا مع ابنائها دون عملية الركض والالحاح على الابناء لانهاء واجباتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق