أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الأحد، 11 يناير 2009

كيف تفكر .. على الحاسوب أم الورق؟

نُشرت في جريدة الوطن قبل عدة سنوات.

رؤية الورق قبل موضة الحاسوب كانت تثير شهيتي للكتابة ، رائحة الورق الجديد كانت تلهمني وتحفزني على أن اخترق سياج البياض الممتد بخربشات أقلامي المتعددة . وحين بد الناس باستخدام الحاسوب لطباعة وحفظ مدوناتهم وأفكارهم، ثرت على العصر الذي لا يثمن الأصالة، وأبت نفسي أن تنصاع لهذه الخيانة ، وقررت أن أظل وفية لأوراقي وملفاتي العتيقة ، وألا القي بالاً لتلك الأقراص المربعة المسماة بالقرص المرن ، وكان أسفي عميقاً على الذين تجاوزوا خلاّنهم من الأقلام والأوراق بدعوى التطور والحداثة.

ومرت الأيام وأنا أقاوم هذا الوافد الجديد اُقبل عليه حيناً واعرض عنه كلما راودتني أفكاري ، فكيف يمكن أن يكون التفكير على الحاسوب أجدى من التفكير على الورق ؟ لكن صروف الأيام أجبرتني على اللجوء إلى الحاسوب أكثر مما وددت وقررت أن أزاوج بين الأسلوبين ، فضميري أقسى من أن يتركني أتخلى عن حبيب قديم بهذه السهولة وما كان الحب في رأي البعض إلا للحبيب الأول ، ولم اعش عهد الرقاع والجلود وعظام الأكتاف لأتمسك بهذا الحبيب ، وأول عهدي وسنيّ عمري شبت على تقديس القلم والورقة البيضاء التي أحبها دون تسطير، لكي لا تعيش محبوبتي أسيرة بين الأسلاك والسياج .

أخذت أدّون أفكاري وبحوثي الدراسية على الأوراق ، ومن ثم أنقلها إلى الحاسوب وحين اضطر لإجراء تغيير ابحث عن مدوناتي أولاً وامسح بكل عناية ما علق بها من الأخطاء والهفوات قبل أن اجري ذات التغيير على الحاسوب ، ومرت الأيام وأنا لا أعي مقدار ما أوقعني فيه الحاسوب من شبهات والطريق التي قادني إليها ببراعة واقتدار، فألفت أصابعي ملمس الأزرار وصرت لا أقوى على التفكير والتأمل في كتابة مقال أو خاطرة بسيطة دون أن أبقي شاشة الحاسوب الشرهة لاقتناصي مفتوحةً ، واكتفيت بتدوين رؤوس الأقلام وبعض التعليقات المختصرة على ورقة جانبية تقلصت مساحتها وزال بياضها إلى أوراق صفراء صغيرة الحجم ، ولأن ذاكرتي ملىء بجنود مجهولين قادمين من الحاسوب للقضاء على تراثي وأرثي فقد أصبحت كثيرة النسيان أفقد تلك الأوراق الصفراء ولا أعثر عليها مهما طال البحث. ورغم إيماني بان تلك كانت مكيدة أجاد الحاسوب تدبيرها لكي أتخلى حتى عن بقايا المقاومة إلا أنني أنسقت ورائها وتنازلت عن تلك المدونات وسلمت زمام أمري إليه..

وانتصر الحاسوب في حرب اعد لها من التمائم والرقع ما جعلني أسحر بحبه ، ولا أرى لسواه منافسا، وأصبحت لا أطيق دونه فراقا ، ألجأ إليه كلما اشتقت للكتابة وكلما رغبت بالتفكير المنظم وبما أن الحب أعمى كما يرى البعض ، فقد أشقاني هذا الحب وأشقى جيوبي ، لكثرة ترددي على أطباء العيون ومحلات العدسات والنظارات ، وأصبحت أدرك في قرارة نفسي ، أنني جنيت هذا الجزاء لقاء غدري بأوراقي ، غير أني فوضت أمري للعلي القدير عساه يقبل توبتي وقلة حيلتي !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق