أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الأحد، 11 يناير 2009

الخمسمائة عام القادمة !

نُشرت في جريدة الوطن.

أثار اهتمامي تطرق إحدى قنوات التلفزة العربية الفضائية لموضوع الشعوذة والدجل التي تتعرض لها قطاعات كبيرة من الأفراد البسطاء، والطرق التي يسلكها العديد ممن يدعون القدرة على الشفاء وكشف المستور وطرد الجن والأرواح . وحاول البرنامج المذكور الذي كان بعنوان ( اللقاء الحاسم) بيان وكشف بعض الطرق والأساليب الخبيثة التي تتبعها هذه الفئة للتلاعب بعواطف الناس وابتزاز أموالهم بعد إيهامهم بأنهم يتمتعون بقدرات على كشف سحرهم.

وتوافق هذا العرض التلفزيوني مع تصفحي لإحدى الكتب التي جذبني إلى اقتناءها عنوانها الخيالي ،ولأن متابعة أفلام الخيال العلمي متعة محببة بالنسبة إلي ، فقد توقعت أن يمزج الكتاب الذي سنذكره بين بعض الوقائع العلمية وأدبيات الخيال العلمي .

وكانت مقارنة مؤسفة وأنا أتصفح الكتاب وأشاهد البرنامج المذكور. ففي حين تبقى بعض مجتمعاتنا تحت رزح خرافات وادعاءات كاذبة تحاول خداع الناس واستغلال بساطتهم ، أدت إلى أن تفرد قناة فضائية عربية جانباً من برامجها لتبصير الناس وتوعيتهم نجد أن هنالك أفراداً ما يعيشون معنا على نفس الكوكب ، يتفاعلون مع جملة من التقنيات والأفكار المستقبلية ، تجعل كل جانب ينتمي إلى عالمٍ مختلفٍ عن الآخر وكأن كل طرفً منهم يعيش في عالمٍ متوازي مع الآخر ، وعلى حسب نظرية العوالم المتوازية فان ذات الأشخاص وذات الأحداث تتكرر في العالمين ولكن بشكل معكوس ، وهنا أرى أحدهما أبيضاً، والثاني أسوداً قابعاً في خرافات واعتقادات عفا عليها الزمن!

وقد تشاركني عزيزي القارىء الرأي في أن تصور شكل الحياة في المائة عام القادمة عمليةٌ معقدة لا جدوى منها فليست لدينا قوى النبي نوح الذي ظل داعياً قومه إلى التوحيد 950 سنة عدا ما لبثه فيهم قبل وبعد ذلك ! كما أن مخيلتنا لن تساعدنا هي الأخرى على تجاوز ذلك إلا إذا كانت مخيلتك واسعة ولديك من الابتكارات والتوقعات الكثير لتتوقعه لأحفادك القادمين ، ولكن هل يمكنك المجازفة إلى حد التفكير بمستقبل الحياة للخمسمائة عام القادمة؟

الصحفي أدريان بيري فعل ذلك في كتابه( الخمسمائة عام القادمة، الحياة في الألفية القادمة)،
والحقيقة أن الكتاب يبدو طريفاً من وجهة نظري، فقد سبق للكاتب وان ألف كتاباً يتحدث فيه عن الكون في العشرة الآف عام القادمة، واجد شغفه هذا مثيراً للاهتمام، كما أجده ذو مخيلة واسعة إلى أبعد حد رغم تأكيده في الكتاب أن الأحداث تبدو غير عادية وخيالية في وقت التنبؤ بها فقط وليس بعد أن تقع.

والكتاب مليء بأحداث تتطرق إلى الإنجازات والانتصارات التي ستحققها البشرية على مستوى الفضاء والتكنولوجيا واستعمار الكواكب الأخرى . ورغم إيماني بأن التفكير والتخطيط المستقبلي ضمانٌ لحياتنا وطموحاتنا ومشاريعنا وأنه أجدى من البقاء ( محلك سر) وانه انفع مليون مرة من استشارة العرافة أو المعلم أو من يدعون كشف الحجاب لمعرفة المستور والمستقبل ، إلا أنني حريصة أيضاً على أن يعيش أحفادي مستقبلا آمنا ، ولذا أقلقني عدم وجود أي نبؤة في هذا الكتاب تتعلق بانتصار السلام والرخاء البشري ! بل أن افتراض حروب أخرى وغير متوقعة أو عادية على الإطلاق هو ما يبشر به الكتاب !
فماذا يعني استعمار (القمر والمريخ وكواكب لا حصر لها ) كما يذكر الكاتب ، ألا يمكن افتراض حروب فضائية وكونية في سباق الاستعمار مشابه لخطط الاستعمار الأوروبي الذي مزق الدول، واخترق ثقافات وحضارات عريقة على وجه الأرض ، وماذا لو دخلت القوى الأرضية في صرا عات وحروب مذهلة مع سكان الكواكب الأخرى ؟ ( على افتراض وجود مخلوقات عاقلة يمكن التفاهم معها، ولكن المصيبة تكمن في المخلوقات الأخرى غير العاقلة ! )

ومع ذلك يبقى الكتاب مشوقا وطريفاً بالفعل في العديد من القضايا الأخرى التي يتطرق إليها، فالكاتب يتوقع قدرة الطب على استبدال الأجزاء المعطوبة من الجسد بما فيها العقل، وزراعة البحر، ومجيء عصر جليدي ثانٍ ، ووصول أجيال جديدة من الإنسان الآلي ذات الذكاء الفائق قد تحل محل البشر، ومن أغرب هذه الأمور كلها هو تخزين الشخصية الإنسانية على أقراص الحاسوب لاسترجاعها بعد الموت!
والحقيقة أن هذا مبشر إلى أقصى حد خاصةً فيما يتعلق بإمكانية استبدال الأجزاء المعطوبة كالعقل ، مما يسمح باستبدال عقول المجرمين والدكتاتوريين وأيضاً تلك العقول المؤمنة بالاستعانة بالجن وما شاكلهم ، ففي رأي أنها عقول معطوبة لا جدوى من بقائها واستنفاذها لكميات وفيرة من الموارد والمصادر المائية والهوائية والنباتية وغيرها، خاصةً وان الفترات المقبلة تنبأ بحروب مرعبة من أجل السيطرة على موارد الأرض بتنوعها وكثرتها!

وبشكل عام فإن للعبقرية سواء كانت في استغلال الناس والتلاعب بعقولهم وعواطفهم أو كانت في الاختراعات التكنولوجية المذهلة فان للعبقرية علاقةٌ .. بالجنون ! ولا أتذكر حقيقة مقولة من هي أن " مابين العبقرية والجنون شعرةٌ رفيعة " ! عموماً حمانا الله من الجنون وتبعاته وحمانا مما يحمله المستقبل القريب والبعيد، وأعتقد أن اغلب القراء يشاركوني الشكر في أن حياة كل منا لا تتسع لأحداث ورزايا مائة عام فما بالك لخمسمائة عام قادمة !





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق