أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الثلاثاء، 6 يناير 2009

منظمات "حمراء" تخلط العنف بحمرة الأزهار

نُشر في نشرة (المسار) الصادرة عن دائرة العلاقات العامة بجامعة السلطان قابوس، العدد 121، نوفمبر2007


الإشارات الحمراء تومض بالخطر، تجبرك على التوقف والانصياع لسطوة اللون، تلك السطوة التي تمتزج بمعاني الغضب والثورة والدماء وتاريخ طويل من الحروب والصراعات. يتفنن علماء النفس بدراسة معاني الألوان وتأثيراتها على النفس البشرية، ويحرص مهندسو الديكور على الحذر عند استخدامهم للون الأحمرفي تصاميم غرف البيت ، وبقدر حرصهم هذا يحرص المحبون على التعبير باللون الاحمر كلما جنح بهم الخيال إلى المحبوبة.

ومن العجيب أن الساسة والثوار اتقنوا استخدام هذا اللون للتدليل على الرغبة في التغيير الاجتماعي أو السياسي مصحوبا بالقوة وفي بعض الحالات بالعنف الشديد. الحرب الأهلية في روسيا والحرب الأهلية في فنلندا شهدت وجوداً لما يسمى بالقوة الحمراء او "الجيش الأحمر" مقابل مجموعة من "الجيوش البيضاء". والتاريخ يشهد للجيش الأحمر السوفيتي وحلفاؤه دوره في إلقاء الهزيمة بألمانيا وحلفائها من إيطاليين ويابانيين ووقف الزحف الهتلري النازي. إلا أن هذا التاريخ يشهد بدموية الجيش الأحمر وبقوانينه الصارمة كمعاقبة بعض الكتائب بإرسالها في موجات انتحار جماعية، كما أن الشيشانيين خاضوا نضالاً طويلاً ضد الجيش الأحمر لاحتلال الروس منطقة القوقاز.

وليس الجيش السوفيتي الوحيد الذي اتخذ اللون الأحمر للدلالة على قوته وقدراته، بل إن الجيش الأحمر الياباني عرف بهذا اللون، وهو منظمة دولية أسستها فوساكا شيغينوبو عام 1971، وكانت من أهدافه الإطاحة بالحكومة اليابانية والحكم الامبراطوري والملكي لبدء ثورة عالمية. وعرفت بأنها من أكثر الحركات الفدائية إثارة للخوف. ومن اللافت أن هذه المنظمة عرفت بعلاقاتها الوطيدة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي، اعتمد الجيش الأحمر الياباني في اليابان على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للحصول على الدعم المالي والتدريب والسلاح.

ولم يتوقف ارتباط الزعيمة اليابانية بالجبهة الفلسطينية عند حد تأسيس قواعد للجيش في لبنان، بل انها تزوجت برجل فلسطيني، وألفت كتابا بعنوان ( قررت ولادتك تحت شجرة التفاح) وجهته إلى ابنتها "مي" وقد حكم على فوساكا شيغينوبو في عام 2006 بالسجن لعشرين عاما لتورطها في اعمال اغتيال واختطاف.

وفي فترة حكم استمرت لثلاث سنوات ونصف من عام 1975 وحتى عام 1979قام الثوارالشيوعيون الكمبوديون الذين يعرفون بـ" الخمير الحُمر" بقتل ما يقارب المليون ونصف المليون من سكان كمبوديا، مارسوا خلالها عمليات قتل منظمة وتعذيب وتهجيرقسري للسكان. وتم طرد الخمير الحمر من الحكم اثر اجتياح فيتنامي في 1979. وتوفي زعيم الخمير الحمر بول بوت علم 1998 حيث انهارت حركته بعد ذلك فيما بقي معظم قادة الحركة طلقاء بدون محاكمة، وقد طالعتنا الصحف قبل عدة أيام بخبر إلقاء القبض على ينغ ساري وزير الخارجية في عهد " الخمير الحمر" وزوجته بتهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية.

أما منظمة الألوية الحمراء الإيطالية فهي منظمة إرهابية يسارية متطرفة أو رجال عصابات كما يصفهم البعض سعت إلى تهيئة إيطاليا في السبعينيات لثورة ماركسية، وقد مارست المنظمة في تركيبتها الاصلية عدة اعمال عنف في ايطاليا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بما في ذلك اختطاف رئيس وزراء ايطاليا السابق الدو مورو ورفض إطلاق سراحه إلا بإخلاء سجنائهم ولما رفضت الحكومة مطالبهم قاموا بقتل رئيس الوزراء.

ولم يتوقف اللون الأحمر من الظهور على مسرح الساسة والثوار، فقد عاد هذه المرة ليطارد الرئيس الامريكي جورج بوش. حيث نشرت إحدى الصحف التشيكية قبل عدة أيام بياناً لتنظيم مسلح اطلق على نفسه إسم " الفرع التشيكي لتنظيم الجيش الأحمر" وقد هدد فيه القيام بأعمال قتل وعنف إذا ما صمم بوش على نشر منظومته الجديدة للدفاع الصاروخي في الأراضي التشيكية. ورغم ارتباط " الأحمر" بالفن والجمال والمرأة والجاذبية والجرأة، إلا ان تاريخ الحركات السابقة يوحي بسوداوية " اللون الأحمر" إن صح التعبير! وبالدماء والمآسي التي لطخت بها صفحات التاريخ "البيضاء".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق