أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الثلاثاء، 6 يناير 2009

الجزء الأخير: خيبة أمل!

هل من العدل عقد مقارنة بين تجربة طفلتي مع النظام الاسترالي لمدينة بريزبن في تلك المدرسة الحكومية وبين تجربتي لاحقاً في مدرسة خاصة بالسلطنة؟ البعض قد يعتبر ذلك اجحافاً ليس لأن الأولى حكومية والثانية خاصة، بل لأن تلك متقدمة في نظمها التعليمية ونحن ما زلنا نحاول ونسعى لكي نطّور قدر الإمكان من نظمنا وأساليبنا التعليمية. نعم هذا صحيح، ولذلك يصبح الحديث عن هذه التجارب ضرورياً بغرض الاستفادة والتطوير، وبالتالي فهي لا تهدف إلى الانتقاص من أية مدرسة لأن القضية لا تتعلق بمدرسة محددة بل بمجمل النظام الدراسي.

بطبيعة الحال أول مشكلة واجهناها هي الدراسة باللغة العربية، وكون ابنتي أمضت أول سنتين من دراستها الاساسية بلغةٍ اخرى. لكنها كانت قادرة على التواصل والتعبير بطلاقة بلغتها الأم. أدركنا ان المدارس لدينا تخشى من تجربة استقبال طفل بهذه الحالة، لعدم وجود انظمة مناسبة ومصممة للتعامل معها. وبطبيعة الحال فإن المعلمة تتوجه باللوم إلى الأباء والأمهات لأنهم لم يعتنوا بتقوية ابنائهم خلال دراستهم بلغة أخرى، بل وتحرص على إشعارك بتأنيب الضمير وبمقدار الخطأ الذي ارتكبته بحق ابنك اوابنتك، وتحذيرك مسبقاً ان طفلك قد (يفشل) نتيجة لكل ما اقترفته يداك! وهكذا تفقد في بداية المعركة أول أسلحتك وهي الثقة بنفسك كأم وأب وبتقصيرك واهمالك، كما تفقد الثقة بقدرة ابنك الذي استطاع تخطي كل الصعاب في دولة اجنبية مع ثقافة ولغة وتفكير مختلف، لتواجه بفشله المتنبأ في بلده وبين أقرانه وبلغته التي يجيدها ويتحدث بها منذ ان ولد!

تخرج من المدرسة وانت مكسور الخاطر، فاقد للثقة بل وتتوقع في أية لحظة فشل طفلك. والذي يحدث والذي قد واجهه البعض بالفعل ان المعلمة تقترح عليك حلاً ، يخلصها طبعاً من هم التركيز على طالب متأخر، وهو وضع الطفل في سنة دراسية أقل من عمره، لتسهيل الأمور على الجميع، دون التفكير بنفسية هذا الطفل الذي يدرك ما يجري حوله، ويدرك أن قدراته قيد التشكيك.. وربما لأنه طالب (خايب)! وما أقسى ان يبدأ الطالب عامه الدراسي بهذا الشعور.

بعد رفضي لعروض مشابهة وبعد ان كدت ان أفقد ثقتي بقدرة ابنتي، تذكرت قول معلمتها في مدرستها الاسترالية انها أبلت خلال سنتيها الدراسيتين أفضل من بعض الطلاب الاستراليين انفسهم، وانها تملك الصبر الكافي وحب المعرفة. قررت ان لا استمع لمحاولات زرع الاحباط المستمرة، وبعد وعود من جانبي ببذل جهد مضاعف مع ابنتي ومناقشات مطولة مع مدّرستها، أذعنت المدّرسة ووعدت ببذل جهدها مع ابنتي وقد فعلت ذلك بالفعل.

ما زالت ذكرى الحفلة التي أقامتها المدرسة الاسترالية بمناسبة انتهاء العام الدراسي ماثلة في خيالي. فقبل فترة كافية من الاحتفال تلقينا دعوةً موجهة للعائلة لحضور الحفلة في الصالة الرياضية بالمدرسة والمجهزة بمسرح. وطلبت المُدّرسة بلباقة المشاركة بوجبة خفيفة كنوع من التعرف على وجبات مختلفة من الجنسيات العديدة التي تضمها المدرسة. حملت معي طبقاً عربياً. ولم أنسى أن أسأل ابنتي حول ما إذا كانت مشاركة في الحفلة، فأجابت بأن الصف بأكمله يشارك بفقرة في الحفلة. وقد دهشت كثيراً وسألتها :متى قمتم بالتدرب على الأداء في الحفلة؟ اجابتني اثناء حصة النشاط!

القاعة الرياضية صفت بكراسي عادية، ليس من بينها كراسي حمراء في المقدمة، وفي نهاية القاعة وضعت طاولة واسعة صفت عليها الاطباق المتعددة الجنسيات والتي قام الآباء والأمهات باعدادها.
بدأت الحفلة متأخرة عشر دقائق وتوالت فقراتها الجميلة التي قدمتها صفوف السنة الدراسية الأولى، وقد قام الطلاب بتصميم أزيائهم التي ارتدوها في الحفلة، وكان رائعاً هذا الاحساس، بأن ابنك/ابنتك هو مبدعٌ صغيرفي عملة وأداءه. العرض كان جميلاً ومؤثراً وخالياً من البهرجة.انتهت الحفلة لتصعد مديرة المدرسة إلى المسرح وترحب بالحضور، وبكلمات بسيطة ومباشرة لكن صادقة شكرت المدرسات الذين قاموا بجهد التدريب والطلاب الذين اجادوا الأداء.

هل تتحمل عزيزي القارىء ما سأكتبه الآن عن التجربة التي مررنا بها هنا لحفلة نهاية السنة الدراسية؟
كانت ابنتي تنتزع من حصصها الأساسية ليتم تدريبها على الفقرات التي ستشارك بها في حفلة نهاية السنة الدراسية التي تقام لطلاب السنة الدراسية الأخيرة فقط وبالتالي لا يحق لأولياء الأمور من المراحل الدراسية الأخرى الحضور ما لم يكن ابنهم او ابنتهم مشاركا في هذه الحفلة التي لا تخص الطلاب الآخرين أساساً. الحفلة ستقام في أحد الفنادق الراقية وبالتالي السجاد الأحمر سيكون حاضراً ولن يبدأ الحفل في الموعد الذي تم إبلاغ اولياء الأموربه، بل يفترض ان تعطل أعمالك كلها حيث عليك تحمل تاخر الحفلة لساعة كاملة حتى حضور الضيوف المميزين الذين خصصت لهم المقاعد الأمامية. اعتقد أن ذلك مألوف بالنسبة لك قارئي العزيز!

ما أثار غيضي أن ابنتي فوتت حصصها الدراسية لمدة شهر كامل ، وفي النهاية تم الغاء إحدى الفقرتين اللتين شاركت بهما والتي تطلبت بالذات تدريبا وجهدا اضافيا. وفي يوم الحفلة تم استدعاء المشاركين من بعد الغذاء – طبعا المشاركين معظمهم اطفال- واستمرت الحفلة حتى الساعة الحادية عشر من مساء نفس اليوم ولم يقدم للأطفال المشاركين أية وجبة (تصبيرية) حتى موعد البوفيه!
أما عن ( الخطابات) التي تم القائها فقد كانت فارغة المعنى والمضمون، ليست أكثر من جمل إنشائية سيتم تكرارها في العام المقبل مع تغيير عدد المتخرجين والتواريخ، ولا تعبر عن روح المناسبة بصدق، خاصة وأننا كعرب بارعون في فن الخطبة (الطلّلية) التي تبدأ حتى لا تنتهي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق