أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الأربعاء، 4 فبراير 2009

إيقاع ذاتي في إبداع إبراهيم الكوني

اللغة والأسطورة والفلسفة هي الأدوات التي يمتلك ناصيتها إبراهيم الكوني ويجيد بتلك الشفافية العالية خلق مزيج لا يتكرر في تكوينات هذه الأدوات. تشع لغة الكاتب بالسحر والغموض ، وتكتنف بالإيقاعات والإيحاءات ما يجعلها تتجاوز ذاتها وتفجر أقصى الإمكانيات التي تمتلكها ، وكأن اللغة كانت في غياب كامل وإذا بإبراهيم الكوني يطلق لها العنان ويمنحها من الآفاق ما يجعل الأحداث ـ التي قد تبدو بعضها عادية ـ أمورا خارقة فوق الفهم ومن صلب الحكمة ورحم الحياة الزاخرة بالأعاجيب. ومن قواميس أبو حيان التوحيدي ، و كلمات المتصوفين وأنات المكلومين وبقايا السحر وكلام التمائم ونصائح الأولين ، ينتقي الكوني كلماته التي تتحول من لغة الأقدمين المهجورة إلى لغة راقية ، ممكنة المنال ، فيها من التشويق ما يجذب إلى متابعة تقنياتها.

والمرأة لدى الكوني أصل المشاكل وأصل المصائب وهي ليست أبداً أهم شيء لدى الرجل الصحراوي ، بل هي تأتي في مرحلة متأخرة عن ذلك ، كما نرى في قصة " التبر" حين يضحي الرجل بزوجته لرجلٍ آخر من أجل جمله ( الأبلق ) ، والزعامة قد تكون الأهم كما في " الفزاعة " ، وقد تأتي بعد أمور كثيرة ، وإن كانت بعض شخصيات الكوني نساء صارعتهن الحياة وأصبحن ضحايا. أما الأسطورة فهي الأساس الذي يقيم عليه الكوني صوره وشخوصه وأحداثه ، ومن الأسطورة بل من مخزون الأساطير يغرف الكوني دون توقف . ومن هذا التراث الأسطوري نعلم أن الاستقرار في أرض واحدة جريمة لساكنيها وقيداً يثقل كاهل الصحراوي ويعرضه للعقاب ، إلا أن أقسى القيود هي أغلال العادات والطقوس والتقاليد وقصص الحكماء والعرافين الذين يأثرون بشكل أو بآخر على مجرى الحياة.

ومع الظروف القاسية التي تخلقها الصحراء ، تصبح للخرافات والأساطير لغة خاصة تنمو مع أهلها ، وهم هنا (الطوارق) الذين شاءت الأقدار أن تكون كل الصحاري سكناهم وهم هنا يجمعون بين أقوام شتى وتأثيرات عدة ، ويرتبطون عن طريق القوافل وساكني الصحاري ومن على شاكلتهم بليبيا ومالي والنيجر ، فيختلط التراث القادم من شمال أفريقيا مع ذلك الآتي من جنوبه ، ليمزج بين معتقدات المجوس والوثنيين وأهل التصوف والوجد ، وغير ذلك من الديانات والأفكار الدينية والمعيشية والتي يقوم جزء لا بأس به منها على نوع من الطقوس التي لا سبيل إلى إنكارها في تلك البيئة الصحراوية، التي تفتقر إلى الأسلوب العلمي المتبع بالدراسات و البحوث مما يساعد على إجلاء تلك المعتقدات . ومن تتبع هذه المعتقدات يظهر لنا مدى إلمام الكوني بتراث الصحراوي ، وتراث القبائل الساكنة فيه والميثولوجيا التابعة لها ، ولا مجال لدى الكوني لنفيها أو رمي سهام الشك فيها .. فهي أي الأسطورة حقيقة ومن يخالف كلام الأقدمين شأنه القصاص ، كأغلب شخصيات الكوني التي ينالها العقاب الذي لا يكون سوى الموت لمخالفة كل تلك الأقوال والنصائح الخالدة ، كما إنها تنال كل من لم يلم بها ولم يعرفها ، فالكوني يتخذ من الأسطورة واقعة من وقائع الحياة تثبت صدقها بأي شكل وفي أي موقع كان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق