أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الأحد، 8 فبراير 2009

أدب النوحيات

قمت بكتابة هذا الموضوع قبل فترة طويلة حين كنت طالبة جامعية. وقمت باعداد هذه الفقرة لتكون ضمن برنامج إذاعي تدريبي في إحدى المقررات الدراسية. أعلم أن الموضوع بحاجة إلى المزيد من المعلومات المعمقة والموسعة. لكني آثرت نشره حاليا، على أمل أن أتمكن في المستقبل من الكتابة فيه بشكل أفضل.

أدب النوحيات أو اللطميات أدبٌ رفيع، عُرف به بعض أوساط المسلمين، الذين يحرصون على إقامة المناسبات الرثائية والتأبينية وإحياء ذكرى النبي(ص) وأهل بيته عليهم السلام. وأدب النوحيات أو اللطميات عبارة عن قصائد شعرية شجية، مشحونة بالعاطفة القوية، إلى جانب رقة وبلاغة وجمال كلماتها ومعانيها ومضامينها. والنوحيات جمع مفردها نوحية، وقد تكون مشتقة من النوح أو النواح وهي الحالة أو التعبير الذي يصاحب الفرد عند وفاة شخص عزيز أو غالي عليه، أما اللطميات فمشتقة من اللطم، وقد يكون سبب هذا المسمى، الإيقاع الذي يواكب قراءة القصيدة الشعرية فتنجذب له الأسماع وتتآلف معه النفوس. ومن هنا يمكننا أن نفهم طابع الحزن والألم الذي يغلف هذا اللون الأدبي، فالقصيدة الشعرية تكون طويلةً عادةً، وتُلقى بلحنٍ جميل، ولذا يشترط في مُلقيها جمال الصوت وقدرته على التأثير، أو قوته وشدته. ويجب أن يكون لحن النوحية متسقاً وإيقاع اللطم الخفيف أو القوي المُصاحب له. فهذا اللطم الخفيف عبارة عن ضربات متتالية ذات ترتيب عددي منتظم يختلف حسب لحن النوحية، والإذن المعتادة على سماع النوحيات وتكرارها تعرفه وتدركه بشكل تلقائي فإما أن تكون ضربات فردية بينها مسافات زمنية قصيرة أو ضربات متلاحقة أو ثلاث ضربات متتالية ثم مسافة زمنية فاصلة تعود بعدها إلى العدد الثلاثي وهكذا. والعادة أن اللطم بالنسبة للنساء يكون على الفخذ وبالنسبة للرجال على الصدر. كما أن لكل نوحية مقطع رئيسي يردده المستمعون بصوتٍ جماعي بعد كل مجموعة معينة من الأبيات الشعرية وحتى إنتهاء النوحية.

أما اللغة التي تُلقى بها فهي اللغة العربية الفُصحى ذات البلاغة والبيان وجمال المعاني والمرادفات بلغة شعرية جميلة، أو تقرأ باللهجة العامية العراقية ذات النغم المميز في النطق، والقوة في الأداء. وقد يعود استخدام اللهجة العراقية، لوجود مراقد الأئمة الأطهار عليهم السلام أي أحفاد النبي(ص) في البقاع المقدسة بالعراق، مما ساعد على وجود عدد كبير من الشعراء والخطباء العراقيين الذين سادت لهجتهم العراقية على غيرها من اللهجات.

وتتنوع مواضيع ومضامين النوحيات في عصرنا الراهن، إلا أن الموضوع الرئيسي يبقى الحديث عن المصائب والويلات والمحن التي مر بها أهل البيت عليهم السلام بعد وفاة النبي (ص) وحتى استشهاد الحسين عليه السلام، بعد أن أعلن ثورته على يزيد بن معاوية ورفضه مبايعته بالخلافة. وتمتزج الكلمات والمعاني العاطفية الحزينة بل الموغلة في الألم والمعاناة من خلال استعراض ما مر به الحسين عليه السلام وأهل بيته من قتلٍ وتمثيل بالجثث ووطء حوافر الخيل لها، إلى حرق خيام النساء بعد وفاة الحسين وتعذيبهن ومن ثم اقتيادهن سبايا. تمتزج هذه المضامين بالمبادىء والعبر والشعارات والُمثل التي آمن بها أهل البيت ودافع عنها الحسين(ع) دفاع المستميت والمضحي بكل ما يملك.

والحقيقة أنه في بعض الحالات نجد ان هذه النوحيات قد أصبحت تُسقط أحداث ما جرى في التاريخ الإسلامي على واقعنا المعاصر بكل إشكالياته. ويبقى هذا الأدب الرثائي الرفيع مليئاً بالرموز والمعاني والايحاءات، أدباً مجهولاً لم ينل حظه من التحليل والبحث والدراسة والنقد، رغم ما يكشفه عن فكر وثقافة ممارسيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق