أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الخميس، 19 فبراير 2009

قصة منظمة تنشر التعايش السلمي بين أطفال العالم

نُشرت في جريدة الوطن 2008
"من الأطفال وإلى الأطفال"
قصة نجاح سيدة عراقية في نشر مفاهيم التعايش السلمي في المجتمع الاسترالي
إذا بحثت في أرجاء العالم
ستجد أن الأطفال متشابهين
ألواننا وأشكالنا وأحجامنا مختلفة
لكنّ حاجاتنا واحدة
نحتاج إلى السعادة
والسلام
والحرية
وإلى من يحبنا ..!
هكذا كانت تردد كلمات الأغنية الشجية التي استمعت إليها مع صديقة استرالية، مجموعة من الأطفال يغنون باللغة الانجليزية وباللغة العربية أغاني عن السلام والرغبة في العيش بأمان. لم يكن من المدهش أن يطالب الأطفال بأبسط حاجاتهم في زمن الحرب والدمار، لكن المدهش أن من كان يعبر عن هذه الحاجات هم مجموعة من أطفال المدارس في كوينزلاند الاسترالية الذين اجتمعوا لتوجيه رسالة حب وسلام إلى أطفال العراق. أدركت أن هناك قصة (عراقية) تقف وراء هذا المشروع الطموح، وقررت أن أبحث عن تلك السيدة الاسترالية التي تغني من بعيد للعراق وأطفال العراق.
في يوم صباحي ماطر في مدينة بريزبن الواقعة في جنوب شرق كوينزلاند الاسترالية، ومع كوب من القهوة الساخنة في إحدى مقاهي المدينة كان لقائي مع سناء عبد الرحيم ممّو. في جعبتي الكثير من الأسئلة حول هذه السيدة الاسترالية الآتية من عمق العراق.لكنّ سناء انطلقت بذاكرتها ومعها تلاحقت صور الحرب والدمار، وأخذت أبحر مع سناء في قصتها الطويلة التي بدأت عام 1979م. ورغم مرارة الذكريات التي كانت تلوح في عينيها، إلا انها أنطلقت بنا إلى حيث بدأت رحلتها.
غادرت سناء مدينتها البصرة في عام 1979 إلى المملكة المتحدة في سبيل إكمال دراستها الجامعية، ولم تتخيل في حينها انها ستغادرالعراق نهائيا. بقت سناء في انكلترا حيث جائت عائلتها لزيارتها لاحقا ومن ثم العودة إلى العراق. لكن العودة تأخرت لعشر سنوات كاملة هي عمر الحرب العراقية الإيرانية. وما أن أنتهت هذه الحرب المدمرة، حتى كان العراق يعيش في ظلمة جديدة باحتلال صدام حسين للكويت عام 1990، ومعها ضاعت كل آمال العودة إلى العراق. أكملت سناء في هذه الفترة دراستها الجامعية حيث حصلت على شهادتي البكالوريوس والماجستير في مجال الهندسة المدنية، من ثم هاجرت إلى استراليا عام 1987م.
وعن هذه الفترة تقول سناء " كان من الصعب القول أني عراقية، خاصة بعد احتلال صدام حسين للكويت، وربما كان هذا مصير العديد من العراقيين غيري، حيث كنا نفضل البقاء ساكتين ومنطوين في مجتمعنا على التمازج مع الآخرين والقول بأننا عراقيين". تضيف سناء: "كان لوجودي في المجتمع الاسترالي ميزة كبيرة، وهو جو الانفتاح والقدرة على التعبير الذي كان مختلفاً عن مجتمع كبت الحريات كما عايشناه في العراق". ولذلك شعرت سناء بأن عليها أن تفعل شيئا يفيد المجتمع العراقي في بريزبن ويغير من وضعهم الساكت والمنعزل. وقد كانت البداية مع أمواج اللاجئين العراقيين التي بدأت تتدفق على بريزبن، حيث أخذت سناء تعمل معهم كمتطوعة إلى جانب عملها الدائم كمهندسة مدنية.
تعترف سناء بان الوضع كان صعبا للغاية على هؤلاء اللاجئين الذين تركوا العراق قهراً، وكان من المؤلم الاستماع إلى حكاياتهم وأنينهم وذكرياتهم عن كل من خلفوه وما تركوه ورائهم في العراق. تقول سناء " بقت في ذاكرتي الكثير من هذه القصص المؤلمة، وثم جاءت حرب الولايات المتحدة على العراق لتكون الضربة الأكثر إيلاما ووجعا بالنسبة لي، حيث كانت أستراليا من الدول التي شاركت في الحرب على العراق".
لكن قصة سناء لم تتوقف هنا، بل بدأت مع ابنتها التي كانت تبلغ من العمر تسع سنوات عندما قُرعت طبول الحرب على العراق. تقول سناء " شاهدت ابنتي على التلفاز أخبار الحرب على العراق ورفضت في البداية الذهاب إلى المدرسة". وحين اضطرت ناتالي، ابنة سناء على الذهاب للمدرسة تفاجأت بأن الأطفال لا يريدون اللعب معها، لأن أستراليا في حالة حرب مع العراق، ولكون والدتها عراقية. تقول سناء عن هذا الموقف " كان ذلك صعبا بالنسبة لي ولم أدعه يمر بدون ان أفعل شيئا، ذهبت إلى المدرسة وتحدثت معهم حول الأمر".
لكنّ سناء بقت قلقة بعد هذا الموقف، فقد استطاعت التعبير عن وجهة نظرها ومحادثة المدرسة والمدرسين بشأن موقف الأطفال من ابنتها، ولكن ماذا عن آلاف اللاجئين العراقيين، الذين ربما يواجه أطفالهم نفس الموقف، ولا يتمكنون من تبليغ رسالتهم؟ وقد كان هذا كافياً لتترك سناء عملها كمهندسة مدنية ولتتفرغ لتأسيس مشروع مبتكر موجه من الأطفال إلى الأطفال. في عام2003 أسست سناء منظمة ( من الأطفال إلى الأطفال)Kidz 2 Kidz وهي منظمة صغيرة غير ربحية، تعتمد على تبرعات الأفراد ومساهمة المتطوعين، وتهدف إلى إشاعة التسامح والسلام بين أطياف المجتمع الاسترالي. ولاحقاً تأسست الفرقة الموسيقية التابعة للمنظمة عام 2004، وتضم مجموعة من أطفال المدارس الاستراليين الذي يغنون في كلمات بسيطة ومؤثرة عن التعايش السلمي.
تقول سناء " تبلورت لدي فكرة مشروع موسيقي، يشترك في كتابته أطفال المدرسة ومدّرسيهم، ليكون بمثابة رسالة حب وسلام يوجهها الأطفال الاستراليين إلى الأطفال العراقيين" وكان الهدف من ذلك توضيح أن كل أطفال العالم باختلاف جنسياتهم ودياناتهم وأصولهم العرقية، فإن لهم حاجات متشابهة وهم يشتركون في معالم طفولتهم وبراءتهم. وتدرك سناء أن هذا المشروع لن يوقف أو يغير من أوضاع الحرب في العراق، لكنه سيساهم في توعية الأطفال في الغرب بما يواجهه غيرهم من أطفال العالم من مآسي.
المدهش أن هذا المشروع الموسيقي المكّون من خمس أغنيات جميلة ومؤثرة، هي بأصوات الأطفال الاستراليين، وقد قاموا بأداء أغنية واحدة بكلمات عربية تغلب عليها اللهجة الانكليزية. وحين سألت سناء لماذا لم يتم الاستعانة بالأطفال الذين يتحدثون اللغة العربية فقط . أجابت " كان ذلك تحدياً أردنا خوضه، أردنا أن يتمكن هؤلاء الأطفال القادمين من ثقافات ولغات مختلفة تقديم رسالة حب موحدة لأطفال العراق وباللغة العربية". ويبدو أن الأطفال الاستراليين نجحوا في ذلك. أيضاً هدف هذا المشروع الموسيقي إلى مساعدة الأطفال في التعرف على الثقافة العربية، والترويج لمفهوم التعايش السلمي بين أطفال العالم. وحاليا تعمل سناء على الاعداد لشريط موسيقي آخر يأخذ بعدا عالميا ، وتطمح إلى مشاركة المدارس من الدول العربية في هذا المشروع.
انطلقت سناء ممّو في عام 2005 إلى المملكة المتحدة، وبصحبتها مجموعة من الأطفال الاستراليين لترويج شريطها الموسيقي الأول، والتقت بالطفل العراقي المشهور علي عباس والذي فقد كل أفراد عائلته، وفقد معها يديه، في قذيفة دمرت منزلهم بالعراق. لكن هذا الطفل كان يبدو شديد التأثر بالشريط الموسيقي وبرسائل الحب الموجهه إلى أطفال العراق. وقام بدعوة سناء لزيارة مدرسته، حيث أهداها لوحة جميلة رسمها بقدميه تمثل المسجد والصليب كرمز لاتحاد المسلمين والمسيحيين العراقيين. وحين عادت سناء إلى كوينزلاند باستراليا وجدت أن المسئولين في جهات التعليم قد قرروا إدراج الشريط الموسيقي ضمن برنامج (التعدد الثقافي والعرقي) الذي يتم الترويج له ودراسته في المدارس الاسترالية.
تؤمن سناء ممّو بقدرة الشباب على التغيير وعلى زرع الأمل في نفوس اليائسين، ومن القصص المؤثرة التي ترويها هي قصة السيدة العراقية المصابة بالسرطان، والتي التقت بها في المملكة المتحدة. تقول سناء أن هذه السيدة قررت الاستسلام لقدرها، ووقف علاجها من السرطان حينما فقدت أحد أفراد عائلتها المقربين في العراق. ولكنها بعد ان استمعت إلى الكلمات التي يرددها الأطفال في الشريط الموسيقي تأثرت بشدة، وقررت معاودة علاجها، بعد أن عاودها الأمل في الحياة.
تقول سناء " حين عدت من رحلتي من المملكة المتحدة، فكرت حينها إن هذه هي نهاية المشروع وأني فعلت كل ما يمكن أن أفعله". لكنها سرعان ما بدأت تتتلقى عدداً من رسائل الشكر الموجهة من مجموعة من القادة المسيحين والمسلمين، ونجحت في أن تكون متحدثة دائمة في عدد من المناسبات والاحتفالات المحلية. وحاولت سناء عن طريق محاضراتها المختلفة توضيح أن العراق ليس بربرياً كما كانت تروج له بعض الجهات، وكونها مسيحية، تعيش حاليا في مجتمع استرالي أغلبيته من المسيحيين ، فقد حاولت أن توضح أيضا كيف ان المسيحين والمسلمين عاشوا في سلام ووئام طوال عقود طويلة في العراق. ومن الملفت للنظرأن المجتمع الاسترالي يتميز بقوة وفاعلية الجماعات المحلية ودعمه للمنظمات والمؤسسات التي تعود بالفائدة على المجتمع ككل. ومعظم الدعم الذي تتلقاه سناء آتٍ من جماعات التعدد العرقي والثقافي، والتي تهدف إلى إشاعة السلام والتفاهم والحوار البنّاء بين مختلف الأصول العرقية التي ينتمي إليها أفراد المجتمع الاسترالي. لم يمضي وقت طويل حتى كانت انجازات سناء تتوج بالشكر من قبل المسئولين والمهتمين، فقد حصلت سناء على ميدالية الشرف الاسترالية عام 2006، وجائزة كوينزلاند الخاصة في مجال السلام عام 2006. وفي عام 2007، تلقت سناء وفرقة الأطفال الموسيقية دعوة من الملكة نورالحسين لتمثيل استراليا في المؤتمر الدولي للشباب بالاردن.
تطمح سناء عبد الرحيم ممّو إلى أن تنشرمفاهيم الحب والسلام بين أطفال العالم، وإلى أن يتفهم الأطفال معاناة غيرهم من الأطفال. تركتُ سناء وأنا أردد كلمات هؤلاء الأطفال الذين كانوا يغنون باللهجة العراقية المحببة أشجى الأغنيات:
يا حمام يا حمام
بلغ أحبابي من عندي السلام
قلبنا وياكم أطفال العراق
الوطن يبقى وشعبك أصل
مايه وترابه وشجره ونخيله
أهل الحضارة وأهل الأنبياء
الشعب واحد أكبر من النظام!
موقع المنظمة كالتالي:
Kidz 2 kidz organization
www.kidz2kidz.org.au

هناك تعليق واحد:

  1. ما شاء الله
    تركت مصدر رزقها لمصلحة عامة..
    الرسالة من الأطفال دائما ذات شجن وجمال..
    تمنياتي لها بالتوفيق ولرسالتها بالتفعيل

    ردحذف