أول الكلام


نقرأ معاً.. نفكر معاً..الحياة مشاركة




الثلاثاء، 6 يناير 2009

مشاهد من كربلاء

في ذكرى استشهاد الحسين بن علي (ع)

الزمان: 10/ محرم/61 هـ
المكان: صحراء كربلاء
كل المشاهد التالية مرتبطة بالمكان والزمان ذاته .
المشهد الأول:
الحسين(ع):" بني كيف الموت عندك " ؟
القاسم: " فيك أشهى من العسل" !
تقدم القاسم بن الحسن ، في رجليه نعلان من خوص، عليه قميص وأزار، بيده سيف..
من بريق عينيه الشبيهتان بوالده الحسن سبط النبي ، تلمح سنواته الاثنتا عشر أو الأربعة عشر.

تقدم من الحسين طالباً الأذن بالقتال ، أبى الحسين أن يأذن له فهو التذكار الأجمل من أخيه الحسن ، لكن عزم القاسم لا حدود له ، فانحنى على ركبتي عمه يقبلهما ويتمسح بهما ، طالباً الأذن مرة أخرى.
كانت أنشودة حربه :
إن تنكروني فأنا نجل الحسن سبط النبي المصطفى والمؤتمن
مشى إلى الموت والقوم في انبهار من شجاعته الفائقة رغم سني عمره القليلة ، انحنى يصلح خيطاً في نعله وهو في ساحة المعركة، فالقوم بكل ما لديهم لا يساوون لديه خيطاً واحداً في نعله ، انتهز العدو انشغاله ، انهالت عليه السيوف والرماح ، ومن تحت حوافر الخيل جاء النداء الأخير:
" يا عماه أدركني" ! فقد شرب القاسم من الموت ، شرب من العسل !

المشهد الثاني:
" قمر بني هاشم" أبو الفضل العباس ، جميل بني هاشم ، الرجل الوسيم الذي كان يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان الأرض ، وحامل بيرق الموت ، بيرق كربلاء ! أحد أبناء علي بن أبي طالب ، اسمه العباس ويكنى بأبي الفضل وأمه أم البنين ، قتل أبناؤها الأربعة في كربلاء .
جاء يطلب الماء من العدو، فقد أحرق الضمأ أكباد الأطفال ، وجف اللبن في صدور المراضع ، وهاهي سكينة بنت الحسين تنتقل كالطير الذبيح من خيمة إلى أخرى تطلب الماء لأخيها الرضيع عبدالله . لعل أحداً من القوم يرحم غربة هؤلاء الأطفال ، لكن الجواب اتاهم سريعاً: " يا ابن أبي تراب .. لو كان وجه الأرض كله ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد ".
أعلن الفضل هدفه يجب الحصول على الماء بأي ثمن ولو كان هذا الثمن أن يقتل ، فلقد وعد الأطفال العطشى بالماء ، ثم أليس هو " ساقي عطاشى كربلاء" ؟
نجح الفضل في مسعاه في الحصول على الماء من نهر الفرات عبر الدخول في طرق فرعية بين النخيل ، غير أن الأعداء كمنوا له في طريق العودة ، وقطعوا يده اليمنى تلك التي كانت تحمل قربة الماء ،حملها في اليسرى وخيال سكينة تنتظره مع الرضيع وبقية الأطفال لا يفارق قلبه ، قطع القوم يسراه ، فحط القربة على قربوس الفرس وامسك عنقها بأسنانه فما عاد يملك أيدي تحمل القربة ، جاءه عمود على رأسه ، وطعنة أليمة من الظهر، وسهم في العين فسقط وسقط معه البيرق .
يقال أن الحسين هرع إليه ملتاعا وهو يتمتم " الآن قد انكسر ظهري ، الآن قد قلت حيلتي" فقد رحل حامل اللواء البطل. ويقال أيضاً : أن بيرق الحسين حينما نُشر لم يجد فيه موضعاً سالماً من السهام إلا قبضة الكف التي كانت تمسك به" !

المشهد الثالث:
علي الأكبر.. أول من استشهد من أهل بيت الحسين (ع) عمره خمس وعشرون سنة . شاب حسن الصورة جميل المنظر على وجه لا نظير له ، قيلت فيه أجمل ما سمعت من الأبيات:
جمع الصفات الغر وهي تراثه
من كل غطريف وشهم أصيد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر
وأباء الحسين وفي مهابة أحمد
وتراه في خلق وطيب خلائق
وبليغ نطق كالنبي محمد(ص)

بكى الحسين عليه السلام حين برز الأكبر للقتال ورفع سبابته نحو السماء قائلاً :" اللهم أشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه اللهم امنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا".
قتل الأكبر جمعاً كبيراً من الأعداء حتى ضج الأعداء من ذلك ، رجع علي الأكبر إلى أبيه الحسين وقد فتت نار العطش أحشاءه " يا أبتي العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة ماء من سبيل " ! أغرورقت عينا الحسين فما أبسط حاجة ابنه العزيز وما أصعب تلبيتها فقد حبس القوم الماء عنهم." بني أرجع إلى قتال عدوك فاني أرجو إنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى لا تظمأ بعدها أبدا " .
احتوشه الأعداء من كل جانب ، أطالوا ضربه وقطعوه ارباً اربا ، أدركه الحسين حين هوى على الثرى ، وضع خده على خد ولده ورفع الحسين صوته بالبكاء ولم يسمع أحدا إلى ذلك الزمان صوته بالبكاء وقال: " قتل الله قوماً قتلوك ما أجرئهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول ، بني بعدك على الدنيا العفا ".

المشهد الرابع:
لما أن هدأت العاصفة كان أكثر من سبعين رجلاً من أصحاب وأنصار وأهل بيت الحسين مقطعين على رمال كربلاء ، لم يبقى في الخيام غير النساء والأطفال ورجل واحد، والابن الوحيد المتبقى للحسين ، إنه الشاب العليل علي الملقب بزين العابدين لحسن وكمال عبادته ، والملقب بالسجاد لكثرة سجوده وقيامه، أنهك المرض هذا العليل ،وأقعده على فراش المرض طوال واقعة كربلاء ،فكان الناجي الوحيد من الرجال ، وظل لما يزيد عن أربعين سنةً يبكي وقائع تلك المذبحة.
تمتم الحسين بن علي مع نفسه :
" أقدم نفسي لا أريد بقائها
لتلقى خميساً في الوغى وعرمرا
فان عشت لم أندم وان مت لم ألم
كفى بك ذلاُ أن تعيش وترغما "
التفت عن يمينه فلم يرى أحدا ، التفت عن يساره فلم يرى أحدا ، طفق يخاطب الجثث الموزعة على رمضاء كربلاء ، " ألا من ناصر بنصرنا، إلا من ذاب عن حرم رسول الله " أتكون هذه أفجع صرخة انطلقت في مأساة كربلاء ؟ أو تكون صرخة الحسين وهو يطلب النصرة والعون في سبيل الحق أقوى صرخة وأكثرها ايلاما في تاريخ كربلاء؟ أم أن صرخة زينب بنت علي بعد ذلك وهي تعانق جسد الحسين وتخاطب السماء : " إلهي تقبل منّا هذا القربان" هي الصرخة المدوية في تلك الأحداث ، أم أن صريخ النساء والأطفال وهي تتدافع مذعورة من الخيام المحترقة بعد قتل الحسين هي الأشد أم أن منظر الروؤس وقد فصلت عن الأجساد وحملت على الرماح هي المحنة الأقسى ؟

أم هو نداء الحسين قبل أن يذهب إلى ساحة الحرب وقد ودعّ النساء " يا زينب ويا سكينة ويا فاطمة ويا أم كلثوم عليكن مني السلام ، فهذا آخر الاجتماع " أم أنه رض الأجساد بحوافر الخيل ، أم أنه جلوس شمر بن ذي الجوشن على صدر سبط النبي وحزه لرأس الحسين ومن ثم حمله على الرمح لتراه النسوة والأطفال ، ولتراه بعد ذلك فاطمة الصغيرة بنت الحسين ، فتفجع بالبلاء وتقضي نحبها باكية بعد أن شكى قلبها الصغير ذل الأسر ووجع البعاد وقسوة القوم على رأس أبيها المقطوع دون رحمة؟

المشهد الأخير:
لماذا الحرب ؟
في رؤية الشهيد لحماية المضطهدين والدفاع عن الرسالة . ألم يقل الحسين " لم أخرج أشراً ولا بطرا بل خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي " .
لماذا الموت؟
القضية ليست ألا تموت أو تموت بل كيف تموت؟
الم يقل الحسين " الموت خير من ركوب العار والعار أولى من دخول النار"
السلام عليك أيها الحسين ، السلام عليك وعلى شفاهك التي تمتمت بهذه الأبيات :
" تركت الخلق طرا في هواك وأيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب أربا لما مال الفؤاد إلى سواكا "
سلامٌ عليك يا أبا عبد الله ، سلامٌ على جسمك السليب ، سلامٌ على نحرك الطعين ، سلام على رأسك الشريف ، السلام عليك وعلى أهل بيتك ومن استشهد معك في هذا اليوم الجلّل .

ملاحظة: اعتمدت أحداث هذه الفصول على عدد من المصادر التاريخية الموثوقة.

هناك تعليق واحد: